عيد في ظروف عربية ولبنانية مأسوية

رندة تقي الدين

عيد بأي حال عدت يا عيد في عالم عربي يعيش مآسي… من لبنان إلى فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن.

المباركة بالعيد عادة هي التمني بالخير والعافية والسعادة. ولكن أي خير وسعادة لشعب فلسطيني تحت احتلال وحشي، يُطرد من أحياء سكنه من سلطة إسرائيلية تقمعه وتعتدي عليه وعلى المقدسات الإسلامية في القدس وتفرغ منازله في حي الشيخ جراح في المدينة وفي غيرها من الأراضي المحتلة، وتهجّر الفلسطينيين من القدس لتهويدها وتغيير وضعها التاريخي بعد أن هجرت المسيحيين منها. فقوة الاحتلال اليوم تنتهج  تهجير المسلمين من المدينة العريقة،  والعالم بأسره يكتفي ببعض التنديدات من دون عقاب حقيقي لإسرائيل.

والشعب اللبناني في ظروف مؤلمة من فقر، وغياب أي أفق لشبابه وشاباته الذين يطمحون للهجرة وإلا بقوا في بلد منهار لأن ليس لديهم إمكانات للهجرة.

وأي مباركة لشعب سوري دمره رئيسه بحرب دموية قضت على مئات الألوف من القتلى، وهجرت أكثر من نصف الشعب. وها هو الآن باق على رأس بلد دمره ووضعه تحت وصاية واحتلال ثلاثة جيوش أجنبية، لروسيا وإيران مع “حزب الله” وتركيا.

وأي عيد في عراق أُهدرت ثروته النفطية والثقافية بالحروب والفساد وزعزعة استقراره على يد إيرن والفاسدين فيه.

وأي معنى عيد  ليمن أنهكه الحرب والحوثيون بدعم إيران و”حزب الله”.

ولبنان الذي يتخبط بخلافات قيادات غير مبالية بوضع الشعب، الذي اخذته إلى جهنم الفقر والبؤس والكوارث، والذي سيدخل قريباً في عتمة وفي شلل المواصلات مع رفع الدعم المتوقع… يستقبل العيد هذا الأسبوع  بالألم من غياب الأمل بإنقاذه.

جاء الوزير الفرنسي جان إيف لو دريان لتأنيب القيادات الثلاث التي التقاها، لعدم التزامها بتعهداتها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان يطمح إلى انتشال البلد من أزمته وانهياره، لكنه واجه طريقاً مسدوداً.

لم يكن هدف لودريان التحدث حول الحكومة، بل كانت مهمته إيصال رسالة الرئيس الفرنسي بأن على القيادات أن تلتزم تعهداتها وإلا تعرضت للعقوبات المتدرجة. وقد فوجئ اللبنانيون بهذه الزيارة علماً أنه كان متوقعاً مجيئه ليسلم رسالة لا للتفاوض على تشكيل الحكومة. والاستياء الذي تركته زيارته لدى القيادات التي التقاها  غير مبرر. ففرنسا دولة صديقة كبرى وهي وحدها مستعدة لإنقاذ لبنان، وهي عضو دائم في مجلس الأمن ولها مكانة خاصة عند الإدارة الأميركية التي سلمتها الملف اللبناني. وهي مستاءة من القيادات الثلاث لعدم الوفاء بالتزاماتها.

ولكن على الرغم من أهمية زيارة لودريان لإبلاغ هذه الرسالة، مع التهديد بالعقوبات المرتقبة، فقد كان ينبغي أن يوجه الوزير الفرنسي رسالة أيضاً إلى “حزب الله” المعطل الأساسي الذي يغطي ويشجع مواقف جبران باسيل.

خرج الرئيس الفرنسي على التقليد الأوروبي الذي لا يتحاور مع “حزب الله” والتقى ممثله في قصر الصنوبر عندما زار لبنان. وكان ماكرون وافق للحزب على ألا يتم  إثارة موضوع الانتخابات المبكرة، التي طالبت بها بعض القيادات،  وفي المقابل امتنع الحزب عن أي جهد لدفع حليفيه ميشال عون وباسيل لتشكيل الحكومة. ولكم كان محبذاً لو تم توجيه الرسالة الفرنسية على مستوى لودريان لهذا الحزب الذي يختبئ وراء مناورات باسيل للتعطيل. وحدها فرنسا بين الدول الأوروبية المهمة اعتبرته حزباً سياسياً في حين ألمانيا وبريطانيا تعتبرانه إرهابياً وتمنعان التحاور معه. ولسوء الحظ، فإن  الانتقاد العلني الوحيد الذي سمعناه من الرئيس الفرنسي للحزب كان في مؤتمره الصحافي في أيلول الماضي، عندما طالب الحزب بأن يوضح ما إذا كان يريد أن يكون حزباً سياسياً ممثلاً في البرلمان أو إرهابياً لا يمكن التحدث معه. وفرنسا على علم تام بتفاصيل الحياة السياسية اللبنانية ودور “حزب الله” الأساسي في ميزان القوى.

على كل حال لا يمكن لأي من القيادات اللبنانية أن يكون على خلاف مع فرنسا لأنها تبقى الدولة الصديقة الوحيدة المهتمة، بتعبئة المجتمع الدولي لدعم وإنقاذ لبنان. فمهما اعتبرت الأوساط الرسمية اللبنانية أن زيارة لودريان كانت فاشلة، فإنها يجب أن تستوعب أنه جاء يبلغ رسالة استياء رسمية ليس هدفها، كما قالت الأوساط الإعلامية، دفن المبادرة الفرنسية بل بالعكس دفعها بالمزيد من الضغط. فرنسا الرسمية تعاملت بشكل مهين مع القيادات اللبنانية التي ساهمت بتفشيل المسعى الفرنسي، ولأنها استاءت من عدم التزامهم لرئيس قدم الكثير في تدخله في الوضع اللبناني. والمراقب للسياسة الفرنسية يدرك أن ماكرون خاطر بالتدخل في الشأن اللبناني الداخلي فكان أن تعهدت القيادات بتشكيل الحكومة  بعد ١٥ يوماً من زيارته في ٦ آب. وهذه الحكومة  لم تشكل حتى الآن. فمن حق باريس مثل الشعب اللبناني أن تستاء من هذه الحالة، في حين أن الاستياء اللبناني من زيارة لودريان ليس في محله، لأن لبنان لا يستغني عن فرنسا ودعمها وجهودها للتعبئة من أجله، ولديها حلفاء أساسيون، من مصر إلى دول الخليج وفي أوروبا والغرب، والمنطق يفرض الحفاظ على علاقة جيدة بها.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً