الإنفاق الانتخابي غير مراقب… والدولار الفريش النجم الأول!

محمد شمس الدين

شوارع لبنان اليوم تغص بصور المرشحين في كل المناطق، اللوحات الإعلانية الضخمة منها والصغيرة، لافتات وصور معلقة في أي مساحة فارغة حتى لو كانت مساحة لا تتعدى حجم كف اليد، لدرجة أن المواطنين بدأوا يشكون الزحمة في المكاتب والمطابع، حيث لا يمكن طبع ورقة واحدة حتى، لان المطابع مشغولة بصور المرشحين ولافتاتهم ومنشوراتهم.

كما في الشوارع، كذلك في الإعلام، بكل قطاعاته مرئيا ومسموعا ومقروءا، خطابات، مقابلات، إطلالات خاصة، وسائل الإعلام تبدو كأنها تتقاتل من أجل استضافة المرشحين، كأنه موسم الثلج في فاريا، حتى المسلسلات الرمضانية لا تأخذ حيزا هذه السنة بقدر المرشحين على القنوات اللبنانية. الاذاعات تعاني هذا الترف ايضا، فلم تعد الموسيقى أنيسة السائقين على الطرقات، فكل محطة تستقبل مرشح ما. أما الجرائد، فبعد موجز أهم أخبار اليوم، تقريبا كل مقالاتها تصنف في إطار الحملات الانتخابية، إما مدحا بمرشح ما أو ذما بمنافس مرشح ما.

واللافت هذه السنة، هو استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشط المرشحون في استخدامها مؤخرا أكثر من الانتخابات السابقة، إن كانت تطبيقات مواقع التواصل أو المواقع الالكترونية، التي تجمع ما بين المرئي والمسموع والمكتوب في آن معا، ويمكن نشر فيديوات دعائية مثل مشاهد خدمات المرشحين، التي قد تتجنبها وسائل الإعلام التقليدية.

وكل ذلك بالفريش دولار، فهل يسمح قانون الانتخاب بذلك؟ وماذا تقول الجمعيات الرقابية؟

عضو الهيئة الإدارية في الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات “LADE” أيمن دندش قال في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “من المعلوم أن سقف الانفاق الانتخابي تم تعديه أواخر عام 2021، بالقانون رقم 8، فأصبح السقف الانتخابي الثابت 750 مليون ليرة بعد أن كان 150 مليونا، بينما السقف المتحرك أصبح 50 ألف ليرة بعد أن كان 5 آلاف. للمفارقة، هذا التعديل كان نتيجة مواجهة البلد لأزمة اقتصادية وانهيار العملة، لكنه لم يخضع لأي معايير واضحة، وعلى أي أساس تم اختيار هذه الأرقام، والملفت بالموضوع، أنه يتسبب بخلل في مبدأ العدالة في المنافسة بين المرشحين. انطلاقا من هذه النقطة، رفع سقف الانفاق الانتخابي يسمح لمن يملك اموالا طائلة أن يكون إنفاقه عاليا جدا، من دون أن يقوم بمخالفة، بينما لن يتمكن المرشحون العاديون الذين لا يملكون هذا القدر من الأموال، من مجاراته”.

وتابع: “سقف الانفاق مرتبط أيضا بحساب مصرفي، فكل مرشح يجب أن يفتح حسابا مصرفيا أو يفتح حسابا في وزارة المال، لكن التحدي يكمن في تحريك هذا الحساب، أي إيداع الأموال وإخراجها، فمرسوم تعديل السقف الانتخابي، لم يلحظ المواد التي تنص على أنه إذا تخطى المبلغ الذي يجب دفعه المليون ليرة، يجب أن يتم الدفع عبر شيك مصرفي، واليوم هناك أزمة في لبنان من ناحية استخدام الشيكات، خصوصا أن مبلغ المليون ليرة اليوم هو مبلغ زهيد جدا. كذلك لجهة الإيداع يفرض القانون أن يكون الإيداع عبر حوالة مصرفية، وهذه أزمة أيضا، ولا سيما أن عدد المرشحين كبير جدا، ولذلك يواجه الكثيرون منهم مشاكل في تحريك حساباتهم”.

“ضبط الإنفاق من المفترض أن يجري حسب المادة 58 من قانون الانتخاب”، وفقا لدندش، الذي اوضح: “الانفاق هو كل ما يدفع خلال الحملة الانتخابية، أي الإعلام والإعلان، اللوحات الإعلانية، البرامج التلفزيونية، كل موقع لجريدة، تقدم وسائل الاعلام نوعا من “package”، نسخة منه تذهب إلى المرشحين، ونسخة إلى هيئة الإشراف على الانتخابات، لكن القاضي نديم عبد الملك، رئيس الهيئة، لطالما صرح بأن الهيئة لا تملك القدرة والإمكانات اللوجيستية التي تمكنها من مراقبة فعالة للانفاق، وهذا يمنح أفضلية للمرشحين الذين يملكون الفريش دولار، لأنه السبيل الوحيد للإنفاق اليوم، وهنا تكمن الصعوبة، اذ لا يمكن مراقبة النقد “الكاش”، بعكس الحساب المصرفي الذي يمكن معرفة كل العمليات التي حصلت عليه، ولذلك نرى إنفاقا عاليا لبعض المرشحين، بينما مرشحون آخرون بالكاد يظهرون”.

أما الخدمات، فالمادة التي يعتمد عليها المرشحون بجزء كبير، هي المادة 62 من قانون الانتخاب حسب دندش: “المادة تقول، تعتبر محظورة أثناء فترة الحملة الانتخابية الالتزامات والنفقات التي تتضمن تقديم خدمات أو دفع مبالغ للناخبين، ومنها على سبيل البيان لا الحصر: التقديمات والمساعدات العينية والنقدية إلى الأفراد والجمعيات الخيرية والاجتماعية والثقافية والعائلية والدينية وسواها أو النوادي الرياضية وجميع والمؤسسات الرسمية، لكنها في بندها الثاني تقول، لا تعتبر محظورة التقديمات والمساعدات المذكورة أعلاه اذا كانت مقدمة من مرشحين أو مؤسسات يملكها أو يديرها مرشحون أو أحزاب درجوا على تقديمها بذات الحجم والكمية بصورة اعتيادية ومنتظمة منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات قبل بدء فترة الحملة الانتخابية، وفي هذه الحالة لا تعتبر المدفوعات والمساعدات المقدمة اثناء الحملة الانتخابية خاضعة للسقف الانتخابي المنصوص عليه في المادة 62 أعلاه. وهنا التحدي، كيف يمكن معرفة أن الخدمات التي يقدمها حزب أو جمعية أو مرشح، هي ليست من أجل الانتخابات؟ هل يمكن تتبع فترة الخدمات لثلاث سنوات سابقة؟ لذلك كـ(LADE) نعتبر أن هذه المادة بحاجة إلى تعديل، لأنها تؤثر في الناخب، بشكل كبير، تحديدا في ظل الأزمة التي يعيشها البلد”.

القانون الانتخابي أعطى المرشحين سقفا عاليا للإنفاق، 750 مليون ليرة رقم كبير بالنسبة للبنانيين، وهو يعطي أفضلية لرجال الأعمال والمقتدرين على المرشحين الذين لا يمكلون أموالا طائلة، وأملهم الوحيد هو في مواقع التواصل وصفحاتهم عليها. كذلك فإن حدود السحب، وتحريك الأموال عبر البنوك أمر صعب، لذا يمكن اطلاق على هذه الانتخابات اسم “الفريش دولار”، تحديدا بغياب القدرة اللوجيستية لهيئة الإشراف على الانتخابات للمراقبة الفعالة، ولا بد من الإشارة إلى أنه في الدول المتقدمة، يجب على وسيلة الإعلام أن تذكر أن الإعلان للمرشح فلان مدفوع من قبل حملته الانتخابية، وهذا الأمر ليس موجودا في لبنان، مما سيؤثر في شفافية الانتخابات.

إذاً، هذه السنة سيكون الدولار “الفريش” نجم الانتخابات الأول.

شارك المقال