لبنان المغترب… بين المقاطعة والجهوزية

محمد شمس الدين

أيام ثلاثة تفصلنا عن انتخابات المغتربين في الدول العربية، وبعدها بيومين المغتربين حول العالم، وهي المرة الثانية التي ينتخب فيها لبنان المغترب، وقد تسجل عدد كبير للاقتراع وصل إلى قرابة 245 ألف مغترب، موزعين على الدوائر كافة في 59 دولة. في العام 2018، شاب اقتراع المغتربين الكثير من الاعتراضات والمشكلات التقنية، التي أصبحت معروفة. واليوم تنتشر أخبار عن مشكلات في دول عدة، وتحديداً لناحية مراكز الاقتراع وتسجيل الناخبين فيها، وصلت إلى درجة طرح الثقة بوزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب في مجلس النواب، لكن الجلسة لم تنعقد لعدم اكتمال النصاب، إلا أن المعركة حصلت خارجها، وتحديداً بين حزب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، اذ اتهم الأول وزير الخارجية ومرجعيته السياسية بالتلاعب بانتخابات المغتربين لتصعيب الاقتراع عليهم، بينما اعتبر الثاني أن الخطأ حصل عند التسجيل للاقتراع، بحيث سجلت الأحزاب أسماء مناصريها في بلاد الاغتراب. ولكن بعيداً من الجدل الحاصل، كيف هي الأجواء الاغترابية؟ وهل المغتربون جاهزون للاقتراع أو يعانون من صعوبات؟ وهل هناك مقاطعون؟

المغتربة في أبيدجان جوي فرح والمؤيدة لتيار “المستقبل”، أكدت في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنها ستقاطع الانتخابات، قائلة: “عندما تسجلنا للاقتراع، لم يكن هناك هذا الكم من الهرطقة السياسية التي نشهدها اليوم، تهريج ونفاق وكذب وإثارة للنعرات، وكون الفريق الذي يمثل طموحاتنا ورؤيتنا ونهجنا غير موجود في الانتخابات، أي تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، اتخذنا قرار المقاطعة، أنا وكثر غيري سنقاطع، لا الانتخابات ولا تحضيراتها تعنينا”.

رأي جوي يبدو مشابهاً لرأي مجموعة كبيرة من المغتربين، غالبيتهم قد تكون من مؤيدي تيار “المستقبل”، ولكن غيرهم أيضاً سيقاطع، لأنه رأى أن كل ما يحصل، من المشهد الانتخابي، والمرشحين وبرامجهم، هو مهزلة ولا يدعو إلى بذل الجهد من أجل الاقتراع، “فكلهم كاذبون ولن يتغير شيء”.

المغترب في كندا فادي معاليقي، المؤيد لـ “القوات اللبنانية” أشار الى أن التحضيرات الانتخابية على صعيد الأحزاب ممتازة، موضحاً أن “الماكينات الحزبية تعمل بشكل مكثف، وتحديداً عند الأحزاب المسيحية، من قوات وتيار وطني حر وكتائب، ويبدو أن المعركة الحامية حقاً هناك، ويمكن القول إن الأكثر تنظيماً هي القوات اللبنانية، أما الأكثر إزعاجاً فهم جماعة التيار، بحيث يستخدمون داتا السفارات، للاتصال بالمغتربين، يسألوننا إذا كنا نحتاج إلى مساعدة ما، أو إن كانت هناك مشكلة في جواز السفر أو الهوية، كي يتواصلوا مع السفارة لحلها، تارة يعرفون عن أنفسهم، وتارة أخرى يدّعون أنهم يجرون إحصاء رسمياً، والمهزلة الكبرى عندما يدّعون أنهم من الثورة، ولكنهم دائماً ينكشفون عندما يوقعهم البعض في الفخ، عبر الإدعاء أنهم سينتخبون التيار، فيظهر فرحهم، وهذا ليس إزعاجاً وحسب، بل مخالفة لكل الأعراف والقوانين المتعلقة بشفافية الانتخابات”.

أما المغترب في فرنسا هشام حجازي فقال: “في فرنسا بطبيعة الحال، معروف النشاط الكبير للمجتمع المدني، أو الأحزاب الناشئة حديثاً، إضافة إلى نشاط الأحزاب التقليدية، التي بدأت تحضيراتها منذ أشهر، وأنا حضرت اجتماعاً انتخابياً منذ 4 أشهر، وهذا النشاط من الأحزاب قبل أشهر من الانتخابات في بلد اغتراب يعد مبكراً جداً، والأعداد التي تسجلت هذه السنة أكثر من الانتخابات الماضية، وهذا بسبب نشاط الأحزاب والجمعيات اللبنانية التي استعدت قبل مدة طويلة، ولم يبق أمامها إلا يوم الانتخاب، وأنا شخصياً سأنتخب حركة أمل”.

وأشار الى أن “صوت الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كان أعلى من صوت الانتخابات اللبنانية، وكذلك الحال اليوم مع الانتخابات التشريعية الفرنسية، حيث يطغى حضورها على انتخاباتنا، ولكن المشهد الانتخابي سيكون ملفتاً هنا في فرنسا، لناحية صدى الانتخابات والتغطية الإعلامية التي ستحظى بها من الاعلام الفرنسي، فاهتمام فرنسا بلبنان واضح، حتى في المعركة الرئاسية الفرنسية، اذ أعلنت مارين لوبان أنها في حال فازت سيكون لبنان من أولوياتها، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فلم يكتف بالكلام عن أولويته لديه وحسب، بل كان فاعلاً في الشأن اللبناني أيضاً، عبر زيارته الى لبنان واستقبالاته ونشاطاته في فرنسا، حتى أن أول زيارة له بعد إعادة انتخابه، كانت لجريح في الجيش اللبناني، أصيب خلال قيامه بمهامه العسكرية، ووضعه دقيق، وهو يتلقى العلاج في فرنسا على نفقة الدولة الفرنسية، علماً أن علاجه مكلف جداً، وطبعاً هناك ناحية إنسانية في الموضوع، لكنه يدل أيضاً على أهمية لبنان لدى فرنسا”.

من جهته، أكد المغترب في الكونغو ربيع مسعد، وهو ناشط سياسي ومسؤول لجنة الاعلام في قطاع الانتشار لـ “التيار الوطني الحر” في أفريقيا، أن “التحضيرات للانتخابات في جمهورية الكونغو الديموقراطية وأفريقيا عموماً يجري العمل عليها منذ أكثر من سنة، ونحن طبعاً نتابع مع الماكينة الانتخابية المركزية للتيار في لبنان، ونتواصل مع المنتمين الى التيار خصوصاً، وكل اللبنانيين عموماً، وذلك كي نستطيع إدراك هواجسهم وتساؤلاتهم، ونحاول قدر الامكان المساعدة والإجابة عليها، ولا سيما المستقلون، الذين نحاول استمالتهم وتوضيح وجهة نظرنا”.

ولجهة الصعوبات، قال مسعد: “في الكونغو، وفي أفريقيا عموماً، لم نواجه صعوبات، والأمور تسير على قدم وساق، بعكس بعض الدول ذات المساحات الكبيرة، التي تعاني من مشكلات في بعد أقلام الاقتراع، ومشكورة وزارة الخارجية التي عملت قدر استطاعتها في ظل الظرف الذي يعيشه لبنان، والآن لا صوت يعلو فوق صوت صناديق الاقتراع”. ولفت الى أن صوته التفضيلي تقرره قيادة التيار كما كل التياريين الذين سيلتزمون بقرارها.

من جهة أخرى، أكد عدد من المغتربين لموقع “لبنان الكبير” أنه على الرغم من أنهم تسجلوا للانتخابات، يخافون أن يقترعوا، وتحديداً كونهم من الطائفة الشيعية، في الدول التي تصنّف “حزب الله” كمنظمة إرهابية، حيث هناك تشديد على من يدعمه. وتتنوع المخاوف بين مشكلات قانونية مع دول إلى هواجس ترحيل وقطع أرزاق في دول أخرى، لذلك فهم لن يشاركوا في الانتخابات تجنباً لأي تبعات قد تحصل لهم بسببها.

شارك المقال