يوم فهم الحريري رسالة لبنان

عاصم عبد الرحمن

لطالما حمل سعد الحريري لواء مشروع الدولة وبناء المؤسسات وإعلاء شأن الدستور والقانون وتحقيق السيادة والاستقلال، وهي المفاهيم نفسها التي أرسى ممارستها رفيق الحريري الذي لم يؤمن بغير لبنان وطناً نهائياً لأبنائه على السواء، فما المعنى السياسي لمواجهة سلاح غير شرعي في بلد تعددي؟

لا شك أن لبنان يتميز بتعدديته الطائفية والمذهبية والسياسية وهو ما جعل البابا الراحل يوحنا بولس الثاني يطلق عليه تسمية “بلد الرسالة”. وقد شهد لبنان مراحل سياسية متشابكة داخلياً وخارجياً ومحطات عسكرية متداخلة عربياً وإقليمياً ودولياً ولَّدت صراعات حزبية معقدة بعضها ذو طبيعة طائفية وأخرى نتيجة ارتباطات خارج الحدود وفق انتماءات مذهبية.

أحزاب عديدة سقطت بكياناتها العسكرية في الحروب إثر المعارك التي دارت رحاها على الأرض اللبنانية ثم بُعثت لاحقاً سياسياً ك “القوات” و”الكتائب” المارونيين و”أمل” الشيعية و”التقدمي الاشتراكي” الدرزي، وأخرى أفلت كلياً ك”المرابطون” السني ليولد على الأثر “حزب الله” الشيعي المرتبط عضوياً بالجمهورية الإسلامية في إيران، والذي تمكن من الدولة اللبنانية تباعاً في السياسة والبرلمان والمؤسسات وغيرها حتى أصبح وبالأطر الديموقراطية والقانونية جزءاً لا يتجزأ من تركيبة لبنان التعددية.

أقدم “حزب الله” على اختطاف الدولة فأسقط مفهوم القانون والمؤسسات بقوة السلاح غير الشرعي فكثر حوله الخصوم الذين اختلفوا معه حول طبيعة بندقيته وبوصلة رصاصته التي انتقلت من محور مقاومة الكيان الصهيوني إلى بناء امبراطورية دينية – عسكرية تحت مسمى ولاية الفقيه.

ومع تعاظم دور الحزب في تحديد خيارات لبنان السياسية والدستورية والديبلوماسية ومن خلفه إيران العائلة الروحية لمشروعه “السيطري”، ساد شعار مواجهة الإحتلال الإيراني خاصة بعد حرب تموز و7 أيار والحرب السورية التي فرض الحزب بموجب نتائجها الإنتصارية المزعومة أداءً سياسياً أكثر تسلطاً ضاق بفعله اللبنانيون عيشاً على الصعد كافة، ولكن هل تستقيم مواجهة السلاح بغير السلاح؟ حتماً لا في بلد تعددي يستحيل فيه إلغاء الآخر بفعل قوة ارتباط الكيان السياسي بالطائفة والمذهب، حالٌ أدركه سعد الحريري جيداً بفعل انتمائه إلى الواقعية السياسية التي تفقه جيداً قراءة الأحداث بشفافية وإطلاق المواقف بعيداً عن الشعبوية واتخاذ القرارات طبقاً للمصلحة الوطنية، فكان خياره “ربط النزاع” بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” أي بين الطائفتين السنية والشيعية ضمناً، منعاً لإشعال فتيل فتنة مذهبية نعلم أين تشتعل ونجهل متى وكيف تنطفئ.

إن المهادنة في البلدان التعددية تشكل روحية العمل السياسي بعيداً عن الشعارات البراقة التي لا تفي سوى بغرض التجييش الطائفي بهدف الحشد السياسي ليجد المواطن نفسه أمام دوامة من العنف اللفظي وما قد يستتبعه من مواجهة جسدية يسقط معها الوطن حيث لا يمكن له أن يعود.

رسالة لبنان لا يمكن لها أن تسقط تحت نيران مواجهة غير متوازنة من دون أن يعني ذلك استسلاماً أمام واقع قائم بفعل إرادة خارجية متقاطعة مع مصالح قريبة من الميدان اللبناني تارة تحت مسميات حوارات المصالح والتهدئة، وطوراً طبقاً لما تقتضيه وقائع السلم العالمي الذي تحدده معارك توسعة النفوذ إقليمياً ودولياً.

وحده سعد الحريري أحسن قراءة رسالة لبنان التعددية والمشاركة الديموقراطية التي يستحيل بفعلها إلغاء أي طرف آخر طالما أنه مشارك في السلطة بإرادة شعبية. وحده سعد الحريري أدرك أن معالجة قضية سلاح “حزب الله” ربما يقررها كل العالم إلا لبنان فهل يدرك ذلك الآخرون؟

شارك المقال