الصمت الانتخابي والخروق على مواقع التواصل الاجتماعي

رامي عيتاني

الصمت الانتخابي عبارة عن فترة يحددها القانون تسبق كل انتخابات برلمانية، يحظر فيها ممارسة الدعاية السياسية، ويمنع خلالها على كل الأحزاب والقائمات المستقلة والائتلافية ممارسة أي نشاط في إطار حملتها الانتخابية، ويمنع منعاً باتاً على المرشحين القيام بأي عملية تندرج ضمن الترويج والدعاية وكسب ودّ الناخبين، ومن ثم فإن أي خرق لهذا الصمت يُحال على القضاء ليبتّ به، وعادة ما تكون الأحكام دفع غرامة مالية كانت تساوي مبلغ ٥٠ مليون ليرة لبنانية. مع التأكيد على أن الغرض من هذه الفترة هو الموازنة بين الأطراف المتنافسة وخلق مناخ هادئ يسمح للناخب باتخاذ القرار الصائب والمناسب بكل حرية وشفافية ونزاهة تمثل الرأي الحر والقرار السليم.

وفعلياً دخل لبنان مرحلة الصمت الانتخابي الأولى في انتخابات المغتربين في ٦ أيار، أما المرحلة الثانية من الصمت الانتخابي فدخلها في ٧ أيار، في انتخابات المغتربين بجزئها الثاني في ٨ أيار. والمرحلة الثالثة تكون اليوم في ١٤ أيار.

ولما كانت المادة ٧٨ من القانون الانتخابي الصادر في العام ٢٠١٧ تأتي على ذكر التالي:
“في فترة الصمت الانتخابي ابتداءً من الساعة الصفر لليوم السابق ليوم الانتخابات ولغاية إقفال صناديق الاقتراع، يحظر على جميع وسائل الإعلام بث أي إعلان أو دعاية أو نداء انتخابي مباشر باستثناء ما يصعب تفاديه من صوت و/أو صورة لدى التغطية المباشرة لمجريات العمليات الانتخابية.

أما في يوم الاقتراع، فتقتصر التغطية الاعلامية على نقل وقائع العملية الانتخابية فقط”،

فالسؤال المطروح هنا حول الخروق التي تحصل على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية ومصير الكتابات والمنشورات التي ينشرها المرشحون على هذه الوسائل قبل فترة الصمت مباشرة مع تقنية البوستينغ التي تجدد المنشور تلقائياً يوم الانتخابات، وما إذا كانت تشكل خروقاً تجيز الطعن بنتائج الانتخابات أم لا؟

وللإجابة على هذه المسألة لا بد من العودة الى المادة ٧٨ نفسها، بحيث أن البعض يعتبر أن مواقع التواصل الإجتماعي من “فيسبوك” و”تويتر” و”انستغرام” و”الواتساب” والمواقع الإلكترونية وغيرها غير مشمولة بالمنع في هذا النص، لكن واستناداً الى روحية هذا النص ومنطق الأمور القائلين بأن الصمت الانتخابي هدفه إعطاء الناخب فترة زمنية معينة ليفكر بهدوء وسكينة لمن سوف يصوّت في الانتخابات من دون التأثر بأي دعاية أو عوامل انتخابية، بالتالي تعتبر المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والسوشيل ميديا مشمولة إذا أديرت بشكل مباشر أو غير مباشر من المرشح أو ثبت دعمه وتكليفه لها بممارسة الدعاية الانتخابية له بغية التأثير على نتيجة الانتخاب.

كما وأنه استناداً الى هذا الرأي، تعتبر الدعاية عبر “الميتا”، أي بوستينغ مخالفة، خاصة أنها تطال بالمباشر الناخب المستهدف ومن الممكن أن تغير في قناعته، لاسيما أمام مضمون المحتوى الذي قد يشكل معلومة جديدة أو أمراً من شأنه تغيير القناعة والتوجه، اضافة الى أن هناك قواعد وأصولاً يتوجب الأخذ بها وهي مفروضة بموجب أنظمة “الميتا”، خصوصاً اذا كانت الدعاية لأهداف سياسية. وبالتالي اذا ما تبين وجود خرق ما من مرشح يقوم بالدعاية وفقاً للبوستينغ، فبالامكان الابلاغ عن هذه المخالفة وتقديم تقرير عنها الى هيئة الإشراف والرقابة على الانتخابات.

أما الرأي الآخر، فهو معطوف على ما ورد في المادة ٦٨ من القانون رقم ٢٠١٧/٤٤ لجهة تعريفه للمصطلحات، ومن ضمنها تعريفه لمفهوم “وسائل الاعلام” على أنها كل وسيلة اعلامية رسمية أو خاصة ….أو الكترونية مهما كانت تقنيتها.

ومن ثم ورد في القانون نفسه، في متن المادة ٧٨: في فترة الصمت الانتخابي، ما يلي:
“ابتداء من الساعة صفر،… يحظر على جميع وسائل الاعلام بث أي إعلان…” وعليه، وفقاً لهذا الرأي فإن القانون واضح ولا حاجة الى التأويل، أو التفسير، بكون مفهوم أو مصطلح وسائل الاعلام قد تم تحديد أنواعه وتوضيحه ليطال الوسائل الالكترونية مهما كانت تقنيتها وبكون “الميتا” تصنف بأنها تطبيق الكتروني عبارة عن منصة تسجل عليها حسابات لأشخاص بالامكان استخدامها وفقاً لمميزات مختلفة، وتسمح بنشر وبث وإمكانية برمجة الدعاية، بشكل لا يطال أصحاب الحسابات الذين توافقوا على السماح لبعضهم البعض بالاطلاع على مضمون حساباتهم- friends وحسب، انما تشمل الدعاية جميع أصحاب الحسابات المسجلة والتي تم تحديدها وتصنيفها خلال القيام بعمليات الدفع للاعلان، أي بوستينغ، ويكون التوسع جاء ليشمل جميع التقنيات، أي مهما كانت تقنيتها، بغض النظر عن التقنيات المستخدمة في التطبيق، طالما أنها تطبيق الكتروني يسمح ببث ونشر الاعلان، وتصنف ضمن “وسائل الاعلام” مما يعني أن الامر هنا ليس وجهة نظر، أو اختلافاً في التفسير أو الرأي، باعتبار أن القانون هنا واضح ومحدد المصطلحات. وعندها حكماً فإن المنع يشمل دعايات “الميتا”، حتى يطال أي تطبيق الكتروني يقدم الميزات المنصوص عنها، مهما كانت تقنيتها.

وحجة هذا الرأي أنه عند قيامك بنشر أي نوع من المنشورات على صفحتك فإنك تستطيع ترويجه لجمهور محدد من خلال الدفع لفيسبوك ليقوم بإعطاء أولوية لهذا المنشور ليظهر أمام الجمهور المستهدف، مما يساعدك على زيادة معدل الوصول إلى المهتمين بمقالاتك وآرائك وزيادة معدلات تفاعلهم مع ما تنشره مما يعني أن من يتوسل هذه الوسائط لديه العلم والنية باعادة نشرها وانتاجها لمدة ثلاثة أيام متواصلة بشكل يؤدي إلى التأثير المباشر…

لكن رأياً آخر يعتبر أن العبرة بتاريخ النشر وليس بتاريخ البوستينغ لاسيما وأن منشور قبل منتصف الليل واستمراره لاحقاً خلال فترة الصمت الانتخابي لا يعتبر خرقاً لأن تقنية YouTube و”التيك توك” مثلاً مليئة بالمقابلات والتصريحات للمرشحين التي تستمر بالظهور بشكل دائم حتى خلال فترة الصمت الإنتخابي.

وبانتظار أن تكون باكورة الأعمال التشريعية للمجلس الجديد إصدار القانون الخاص بالمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي، نأمل أن يوائم هذا القانون روحية النص بالواقع الجديد، باعتبار أن الموضوع يتداخل فيه عنصر التطور، أي التكنولوجيا التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والقادرة على تحديد توجه وجنس ومكان وعمر ووقت الذروة في استخدام التطبيق، والفيديوهات التي يستهويها صاحب الحساب وارفاق الدعاية المطلوبة معها.

شارك المقال