السيناريوهات المقبلة… تسوية أم مواجهة أم فراغ؟

محمد شمس الدين

أخيراً… انتهت الانتخابات النيابية، وبدأ العد العكسي، استحقاقات مهمة بانتظار المجلس الجديد، أولها انتخاب رئيس مجلس النواب، تليها الاستشارات النيابية من أجل تكليف رئيس حكومة، ثم تشكيل الحكومة وحصولها على الثقة. وفي مجلس اختلطت الأوراق فيه بهذه الصورة، ستكون هذه الاستحقاقات تحدياً حقيقياً، فليست هناك أكثرية عددية تستطيع أن تأخذ القرارات وحدها بين طرفي الصراع في لبنان، قد يكون لفريق ما أكثرية نيابية عن الفريق الآخر لكنها لم تصل إلى الثلثين، ولا حتى إلى النصف زائداً واحداً. فريق ما يسمّى 8 آذار لا يستطيع بعد اليوم تشكيل حكومة وحده، ولا انتخاب رئيس جمهورية، فهو إما بحاجة إلى المستقلين وقوى التغيير الجديدة، أو إلى تسويات مع فريق “السياديين” من أجل تمرير الاستحقاقات.

وبعد تصريحات أطراف عدة من الفريق “السيادي” في ما يتعلق بـ “حزب الله” وسلاحه، كان لرئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، رد عالي النبرة، اعتبره البعض تهديداً هدفه إيصال رسالة، أنه حتى لو خسرت الممانعة وحلفاؤها الأكثرية، فلن يتمكنوا من تخطيها، ولو بالقوة. وبما أن الحملة الانتخابية للقوى المناوئة للممانعة بنيت على أساس تحرير لبنان منها، فهل سيكون المشهد الجديد هو انقسام عمودي وصراع بين القوى “السيادية” والممانعة؟ أو أن الجميع سيقبل بتسويات معينة بسبب التركيبة اللبنانية؟

أعلن حزب “القوات اللبنانية” أنه ليس بصدد إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، والأمر نفسه كذلك أعلنته القوى التغييرية التي فازت بالمقاعد النيابية، بل ذهب بعضها أبعد من ذلك، بحيث أشار إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون رئيس مجلس النواب شيعياً، وذلك بعد تذكيره بأنه ليس هناك شيعي خارج “الثنائي الشيعي”، الأمر الذي علقت عليه مصادر مواكبة لموقع “لبنان الكبير” بالقول: “إذا فتح هذا الباب، فستتجه القوات اللبنانية إلى ترشيح الرئيس بري قبل أن ترشحه حركة أمل نفسها، كون هذا الأمر يعني تغيير أسس النظام اللبناني المبني على الأعراف، وهذا مستقبلاً، سيكون مدخلاً إلى الدولة المدنية، التي لا تحبذها القوى المسيحية، وتحديداً القوات والتيار الوطني الحر، بينما قد يقبل بها حزب الله وحركة أمل، كونها لمصلحتهما في المستقبل”.

أضافت المصادر: “يجب أن نكون واقعيين، لن يخاف الحزب من أي تأثير استراتيجي عليه ولا على سلاحه، وهو يستطيع الانتظار 4 سنوات من أجل أن يستلم الدفة من جديد، عند الاستحقاق النيابي الذي سيكون غير طائفي حينها، وبقدرة نصف مليون صوت شيعي فقط، من دون أصوات من الطوائف الأخرى التي تؤيده، وهذا الأمر سيدفع القوى المسيحية إلى القبول بالأمر الواقع. أما إذا كانت المشكلة عند القوات والثوار هي بري نفسه، فلا يوجد نائب شيعي يقبل بالترشح أمامه، ربما باستثناء جميل السيد، وهنا سيهرع الجميع الى بري. ولكن مجرد ترشيح شخصية غير شيعية لمجلس النواب سيشكل سابقة جديدة في لبنان، ولها تبعات، طبعاً على أمل الوصول إلى دولة مدنية حقيقية لا غلبة عددية طائفية فيها ولا أصلاً تفكيراً طائفياً من أي نوع”.

ومن جهة خلاف حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”، رأت المصادر أن “لا مكان للدلع اليوم، وتحديداً من جهة التيار الوطني الحر، وهذا الأمر على الأرجح سيحسمه حزب الله، فخسارة جزين كانت ضربة قاسية، وعلى التيار التوقف عن المكابرة، يستطيع الفوز بمقعدين في جزين فقط، والثالث يذهب إلى حركة أمل وابراهيم عازار، ولو تألفت لائحة مشتركة ربما كانت لتحوز على أكبر عدد من المقاعد. وكون الخريطة النيابية تغيرت اليوم، فيجب أن تكون هناك هدنة بين أمل والتيار، كي يستطيع فريق الثامن من آذار مواجهة المرحلة الجديدة”.

أما لجهة تأليف الحكومة، فهناك سيناريوهات عدة متوقعة وفقاً للمصادر: السيناريو الأول هو أن يحصل توافق بين 8 آذار و”القوى السيادية” على تشكيل حكومة وحدة وطنية، أي الكليشيه اللبناني الاعتيادي، ولكن ستضطر فيها قوى 8 آذار إلى التنازل عن وزارات معينة.

السيناريو الثاني، أن تتجه 8 آذار إلى تشكيل حكومة بالتوافق مع بعض المستقلين والحزب “التقدمي الاشتراكي”، وهنا أيضاً يجب أن تقدم تضحيات وزارية معينة لوليد جنبلاط والمستقلين.

السناريو الثالث: أن يتفق “القوات” مع “الاشتراكي” والقوى التغييرية الجديدة على تشكيل حكومة وفق أهوائها، كون العديد منها كان خطابه معادياً للممانعة، وهذا يعني مواجهة مع “حزب الله” وحلفائه، قد تكون على شاكلة فترة 2005 – 2009، وربما أشرس.

السيناريو الرابع: تطول فيه فترة تصريف الأعمال، وتبقى التجاذبات والصراعات حتى انقشاع الرؤية الإقليمية، إن كانت المفاوضات الأميركية – الإيرانية، أو الحوار السعودي – الإيراني، وطبعاً ستتأثر كل الاستحقاقات المرتبطة بالحكومة الجديدة، لا سيما الوضع الاقتصادي والاستحقاق الرئاسي.

وفي موضوع الاستحقاق الرئاسي، توقعت المصادر “أن يسيطر الفراغ على الكرسي الرئاسي لفترة ليست قليلة، وتحديداً إذا لم يكن هناك اتفاق إقليمي يرعى أي تسوية”.

تعرضت الأكثرية السابقة لتراجع واضح، وهذا أمر محسوم، ولم يعد باستطاعتها فعلياً الاستفراد في الحكم والقرارات، ولكن القوى الجديدة التي دخلت الى المجلس النيابي لم تتضح توجهاتها الاستراتيجية بعد، وهي لا تزال في مرحلة نشوة الانتصار، ومن المفترض أن تتجه إلى الخطاب العقلاني الهادئ، أما في حال الإصرار على الخطاب بالنبرة العالية، فإن لبنان أمام مرحلة مقبلة قد تكون أًصعب من سابقاتها، وستشهد إعادة تموضع لغالبية القوى في الساحة اللبنانية، وصراعاً قد يطول إلى حين إما تسوية، أو ما يشبه اتفاق دوحة جديد، أو كما يحلو لمرجع سياسي كبير القول دائماً: “أكبر من دوحة أصغر من طائف”.

شارك المقال