قالها الرئيس شمعون “خلّي عينكم على العراق”… وهذا ما سيحصل في لبنان!

جورج حايك
جورج حايك

قال رئيس الجمهورية اللبنانية الراحل كميل شمعون في رد على سؤال من أحد المقرَّبين إليه سنة 1976 بعد اندلاع الحرب الأهلية بسنة تقريباً: “خلَّي عينك على العراق”، معتبراً أنه “إذا قسّم العراق ستقسم المنطقة تباعاً، وإذا بقي موحداً ستبقى دول المنطقة وشعوبها موحدة أرضاً وشعباً”.

يبدو أن النظرية الشمعونية، والتي قامت على فكرة “عراق قوي، لبنان مستقر” كانت صائبة إلى حد كبير، واليوم نرى مشهداً متماثلاً تعيشه كل من بغداد وبيروت، بعد اجراء انتخابات نيابية أفرزت نتائج قلّصت نفوذ القوى السياسية المحسوبة على ايران، ونقصد بها “حزب الله” الذي يتمتع بفائض قوة بحكم استحواذه على السلاح.

وهذا المشهد سبق أن حصل في العراق منذ بضعة أشهر، إذ نظّمت انتخابات نيابية فاز بها التحالف الثلاثي بين التيار الصدري والعرب السنّة والأكراد، مما أثار حفيظة قوى وأحزاب تستقوي بايران ويحمل بعضها السلاح كما يفعل “حزب الله” في لبنان. وتشكّل القوى السيادية والتغييرية التي وصلت إلى المجلس النيابي في لبنان الأكثرية اليوم ولو بعدد قليل من النواب، ونقصد بها نواباً من المجتمع المدني و”القوات اللبنانية” والحزب “التقدمي الاشتراكي” و”الكتائب” و”الأحرار” وشخصيات سيادية مستقلة مثل نعمت افرام وميشال معوض وفؤاد مخزومي وغيرهم. أما في العراق فتتشكّل الأكثرية النيابية من كتلة برلمانية يقودها مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري تضم السنّة بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والأكراد بقيادة مسعود البرزاني.

لم تنجح الأكثرية النيابية العراقية في تشكيل حكومة وانتخاب رئيس حتى اليوم، لإصرار الصدر على حكومة أغلبية برلمانية وليس توافقية مثل الحكومات التي أعقبت الاحتلال وفشلت في مهماتها على مدى الأعوام الماضية. والتوقعات السياسية المنطقية تشير إلى مصير مشابه ستؤول اليه الأوضاع في لبنان لأن فرص التوافق بين الطرفين في المجلس النيابي شبه معدومة. ففريق القوى التغييرية والقوى السيادية يرفض مشاركة “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” في أي حكومة مقبلة، نظراً إلى أن كل حكومات التوافق الوطني السابقة كانت فاشلة وشهدت خلافات وتعطيلاً لشؤون الناس ولملفات حسّاسة. وقد يستخدم “الحزب” ورقة الرئيس ميشال عون عبر الطلب منه عدم الدعوة الى استشارات بهدف تسمية رئيس مكلّف لتأليف حكومة. وهذا الأمر قد ينسحب على تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية من خلال عدم تأمين النصاب كما حصل منذ ستة أعوام، ولم ينتخب رئيس إلا بعد رضوخ الأكثرية لشروط “الحزب” والقبول بعون، فهل يتكرر هذا السيناريو؟

ما حصل في العراق خلال الأشهر الفائتة لا يبشّر بالخير، إذ فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس نتيجة حالة الانقسام العمودية، وهذا ما يتطابق مع الوضع اللبناني إلى حد كبير!

إن التموضع السياسي والطائفي الجديد يعكس حال العراق اليوم، وأزمة الثقة التي تتكرّس في الحياة هي تعبير عن المأزق الذي يعيشه العراق منذ احتلاله وحتى الآن، وحالة عدم التوافق بين القوى السياسية انعكست سلباً على الأداء الحكومي والبرلماني، وإخفاقات القائمين عليه في تلبية حاجات المواطن، خصوصاً الأمن والحفاظ على وحدة العراق وحماية المال العام من المفسدين. لذلك يُجرى التفكير جدياً في تفكيك منظومة وبنية النظام السياسي الذي كان عنوانه التوافق بين القوى الوازنة في المشهد السياسي على تقاسم السلطات بينها على مدى السنوات.

توصيفنا للحالة التي يمرُّ بها العراق، تنطبق على لبنان الذي باتت الحياة السياسية والدستورية فيه معطّلة، وقد يكون الأمل الوحيد إذا فشل المجلس النيابي في بلورة الاستحقاقات الدستورية وتحقيقها، هو في تدخل خارجي ربما بتوافق فرنسي – أميركي – سعودي – ايراني، وهو صعب جداً، قد يسمح بتفكيك العقد والتوصّل إلى تسويات، لكن ثمة من يؤكد أن التسويات الخارجية وحدها لا تنجح إذا لم تتوافر الإرادة في الداخل، وهذا ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى مؤتمر وطني يعقد برعاية دولية لتنفيذ اصلاحات دستورية أو وضع دستور جديد ينقل لبنان من حالة إلى أخرى.

من جهة أخرى، تسرّبت همسات من العراق تتحدّث عن استمرار الوضع على ما هو عليه حتى تقتنع كل القوى السياسية بالتقسيم، وهو يجعل العراق ثلاثة أقسام مستقلة: شيعيّة وسنيّة وكرديّة، علماً أن الأكراد بات لهم كيانهم الخاص ولا يحتاجون سوى إلى تدابير قليلة لترسيم الحدود وإعلان الدولة الكردية الجديدة.

لن يكون لبنان بعيداً عن هذا الخيار إذا تعذّر على المكوّنات السياسية الاتفاق على اصلاحات دستورية أو شكل النظام الجديد، فانصهار “حزب الله” في المشروع الايراني ومصادرة قرار الطائفة الشيعية على نحو كامل، قد يجعل التعايش بينه وبين القوى السياسية الأخرى مستحيلاً، وسيعرّض لبنان للتقسيم على الطريقة القبرصية، إذ تبدو مساحة لبنان مشابهة لمساحة قبرص، ومهما كانت مساحته صغيرة لن يكون تقسيمه صعباً!

إن علاقة القوى السياسية اللبنانية ببعضها تحوّلت من شراكة إلى عداء من فرط الخلافات التي تعصف بها، وأزمة الثقة وعقدة الخوف والارتياب بين المكوّنات لم تعد طبيعيّة، والأرجح أن تستمر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تصريف الأعمال إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، والأيام المقبلة قد تؤكد دقة هذا الكلام!

شارك المقال