في ذكرى التحرير… لبنان يعاني “احتلال” الطائفية

محمد شمس الدين

الإنجاز الذي صنعته أيادي المناضلين والشهداء، بتحرير جنوب لبنان عام 2000 من العدو الاسرائيلي، وهو التحرير الثاني بعد العام 1985، حين تحرر نصف الجنوب يومها. كل لبناني يذكر هذا اليوم، ويسرد أجمل اللحظات من تحرير معتقل الخيام، إلى جر تمثال سعد حداد في شوارع صور، إلى اقتحام بيت العميل أنطوان لحد، وحتى إذلال عناصر عملاء لحد على الحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة وهم يقفون في طابور للهروب من لبنان، خوفاً من انتقام الأهالي والمقاومين.

“الحمدلله اللي تحررنا”، لا يزال صوت تلك السيدة الجنوبية، بلكنتها القروية الأصيلة، يصدح في وعي اللبنانيين، يرافقه مشهد تحطيم أبواب معتقل الخيام وتقبيل أحد المعتقلين الأرض بعد تحرره، الى الهتافات ولقاءات الأحبة وحلقات الدبكة… هو يوم تاريخي لا يمكن نسيانه، عندما استطاعت العين، ليس مقاومة المخرز وحسب، بل انتصرت عليه فعلياً.

يومها لم يكن لبنان منقسماً بهذا الشكل، لم يسأل أي لبناني عن محور إيراني أو أميركي، بل كل اللبنانيين كانوا فرحين بتحقيق هذا الانجاز، وكل القوى والأحزاب شاركت فعلياً في التحرير، والتنظيمات التي على الرغم من اقتتالها أحياناً بين بعضها البعض، كانت تنفذ عمليات ضد العدو الصهيوني أو تتصدى له في المناطق حين يحاول الاعتداء والتقدم باتجاه الأراضي المحررة عام 1985. كذلك، لعب العديد من السياسيين أدواراً في التحرير، من رئيسي الجمهورية الياس الهراوي وإميل لحود، إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري ودوره المحوري في الوقوف خلف المقاومة في كل ميادين القتال مع العدو الصهيوني، وربما أبرز تلك المحطات هو الدور الذي لعبه خلال عدوان 1996. إذاً هو انتصار لكل الشعب اللبناني، الذي استطاع تحقيق نصر كبير ضد أسطورة الجيش الذي لا يهزم.

تطل ذكرى التحرير هذا العام عقب انتخابات شهدت كل أسلحة شدّ العصب الطائفي والانقسام المحوري، وفي ظل الأزمة التي تستمر بالتفاقم يوماً بعد يوم، مما قد يطغى على وهج احتفالات التحرير، الذي تحول للأسف، على مر السنين إلى مادة للاستهلاك السياسي بين القوى المتناحرة، فهذا يقول أي تحرير والبلد يحتله الفساد، وآخر يقول تحررنا من الاسرائيلي ليحتلنا الإيراني… كلها عبارات يستغلها السياسيون في الشحن السياسي، وكأن لا مادة أخرى للتهجم في السياسة، فهذا اليوم يجب أن يخلده التاريخ، مثل ذكرى الاستقلال، لأن المجرم الصهيوني كان يتفنّن بإجرامه في لبنان.

انتصار التحرير يجب أن يبقى راسخاً في ذاكرة اللبنانيين، وذاكرة عدوهم أيضاً، من أجل التأكيد أن البلد ليس ضعيفاً، لكنه لا يزال يعاني من احتلال عدو بسوء اسرائيل عينه، وهو الطائفية التي تحكم البلد وتسبب أزماته، ومن الضروري التحرر منها، للمحافظة على انتصار التحرير الكبير. واليوم مع دخول بعض القوى التغييرية إلى مجلس النواب، قد تكون فرصة سانحة للتحرر من الطائفية التي تنهش لحم لبنان، وعندها ستكتمل معاني التحرير.

شارك المقال