موقف فرنسا “لن يهزّ” الحريري والصمت يربك بعبدا

رواند بو ضرغم

شكّلت زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إرباكاً للسلطات اللبنانية. وبعد الإعلان عن إجراءات عقابية فرنسية بحق لائحة أسماء معرقلة لمسار التأليف الحكومي، بات ملف العلاقات اللبنانية – الفرنسية بنداً أساسياً يجري تقييمه في القصر الجمهوري. ووفق مصدر مقرب من رئيس الجمهورية “يجري البحث في موقف رئاسي معين، لم يستقر الرأي على شكله وكيفية التعبير عنه ولا على آلية التواصل مع الحكومة الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون تحديداً، إنما يهدف إلى إبراز الحرص على المصالح المشتركة والعلاقة التاريخية مع فرنسا”.

تختلف وجهات النظر بين بعبدا وبيت الوسط في ملف تأليف الحكومة، والرئيس المكلف سعد الحريري لم يسكت على تصنيفه ضمن المعرقلين، فهو من قدم التسهيلات في عدد الحكومة وأبدى مرونة في تعديل أسماء أعضائها، ولكنه لن يتنازل عن حكومة الاختصاصيين لكي لا تتكرر تجربة الحكومتين السابقتين، وهو لن يميل مع رياح الموقف الفرنسي الذي بدأ بحكومة اختصاصيين وانتقل إلى حكومة تكنو – سياسية ليصل به المطاف إلى القبول بحكومة سياسية. فلن يرمي الحريري نفسه في هوة التنازلات المميتة لكي يُرضي الفرنسيين بحساباتهم الرئاسية، فالاعتذار أقل تكلفة له من العودة إلى الخضوع للشروط والمحاصصات والنكايات داخل مجلس الوزراء.

على خط قصر بعبدا، تقول مصادر مقربة من رئيس الجمهورية إن “الملف الحكومي اساسي، ولا نستطيع بعد اليوم الانتظار، أما الخيارات فمفتوحة أمام الرئيس عون، ولكننا لم نستقر على خيار معين”. وتشير مصادر بعبدا إلى أن “الرئيس عون لا يراهن على إنهاك الرئيس المكلف، ولكن رهانه على ولادة الحكومة، أما إذا كان الرئيس المكلف منهكاً أو وصل إلى حالة من اليأس المتقدم أو الاقتناع التام بأنه يستحيل عليه تأليف حكومة أو أنه عاجز عن تأليفها، فهذا أمر يعنيه، أما نحن وفي مقدمنا رئيس الجمهورية فنريد جدياً ولادة الحكومة، وعلى الرئيس الحريري أن يثبت نيته بالتأليف عبر التواصل المباشر مع رئيس الجمهورية والتزام الآلية الدستورية والذهاب إلى حكومة بالاتفاق الكامل مع رئيس البلاد للإنقاذ والتخلي عن الشروط”.

تشكك رئاسة الجمهورية في نية الرئيس المكلف للإصلاح وهي تقول عبر مصادرها: “نتكلم عن حكومة انقاذ بكل المفاهيم، أي قدرة الحكومة على الإصلاح والإنقاذ، وهذا يعني قدرة الرئيس المكلف أولاً وارتضاءه الإصلاح. طبعاً هو يرتضي الإنقاذ ولكن الأهم أن يرتضي الإصلاح طريقاً إلى الإنقاذ، ثم قدرة الحكومة على التنفيذ، فلقد وصلنا إلى مرحلة بات فيها الوقت المستقطع ثقيلاً ومكلفاً وموجعاً بكل المفاهيم والمعايير”.

هذا التشكيك من قبل رئاسة الجمهورية غير واقعي ولا يمت إلى المنطق بصلة بالنسبة إلى مصادر مطلعة على أجواء “بيت الوسط”، فالرئيس الحريري ثابت على موقفه في المضي بالإصلاحات وعلى رأسها التدقيق الجنائي الشامل على مصرف لبنان وسائر الوزارات والإدارات، وهذا ما تُرجم في القانون الصادر عن مجلس النواب بموافقة كل الكتل النيابية، ولكن هذه الإصلاحات بحاجة إلى حكومة أصيلة لا تزال رئاسة الجمهورية تعرقل مسارها بالثلث المعطل والحصص الوزارية.

هل رئاسة الجمهورية بصدد التصعيد؟ تجيب مصادر رئاسة الجمهورية إن “الرئيس عون بانتظار عودة الحراك الحكومي، وهو يواكب ويترصّد الحراك السعودي المتمثل بعودة السفير السعودي إلى لبنان وليد البخاري، وفي الوقت نفسه، يرى في صمت بيت الوسط دليلاً بأن الحريري على مشارف اتخاذ قرارات مهمة. وفي حال وصل هذا الانتظار إلى طريق مسدود، سيبادر رئيس الجمهورية إلى ما هو متاح له لتحريك عجلة تأليف الحكومة، إما يتوجه لشعبه او يتخذ تدبير آخر يُحدد لاحقاً”.

وعلى هذا الواقع المأسوي الذي يحيط بعلاقة شريكي التأليف (عون والحريري)، تنقسم البلاد بين فريقين: الأول يدعم الحريري وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يكثف اتصالاته بالحزب “الاشتراكي” لتنسيق المواقف، إضافة إلى تيار المردة، في مقابل رئاسة الجمهورية وتياره الوطني الحر. وما بين الفريقين، يقول “حزب الله” إنه متمسك بالحريري لرئاسة الحكومة ولكنه لن يضغط على حليفه “التيار الوطني الحر” لتسهيل التأليف، فهل حياد “حزب الله” في خضم الأزمة والانهيار دليل رغبة في تسيير شؤون البلاد وبناء المؤسسات الدستورية فيها؟

الجواب رهن الأيام المقبلة وتبيان نتيجة مسعى الرئيس بري باتجاه حليفه “حزب الله” ليُقرن أقواله برغبته في ولادة الحكومة بالأفعال.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً