بانتظار “التحرر” من احتلال السلاح غير الشرعي

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كل المقاومات في التاريخ انتهت بتسليم السلاح الى الشرعية في الدولة، الا في لبنان اخترعوا دويلة ليبقى السلاح حاكماً مستحكماً بالبلاد والعباد. وفي حين يعتبر الجميع أن لبنان تحرر في 25 أيار من العام 2000 ويحتفي بهذا اليوم، الا أن البعض عمد بفعل سياساته وطمعه بالهيمنة والسيطرة الى استجلاب الاحتلال من جديد الى أرضه في حرب “لو كنت أعلم”، وأراد الاحتفاظ بسلاحه ليحرر مزارع شبعا المحتلة التي يقال إنها سورية، فيما حليف المقاومة القوي في سوريا يؤكد أنها لبنانية ولديه وثائق تثبت ذلك، من دون أن يكلف نفسه عناء تقديمها الى الأمم المتحدة حتى تبقى قضية شبعا موضوع ابتزاز سياسي وضغط من هنا وهناك، مما يطرح الكثير من الأسئلة حول الهدف من ربط لبنان بأزمات المنطقة والسماح بالتدخلات الخارجية وعدم ابقاء البلد على سياسة الحياد لحمايته وتخليصه من كونه ساحة للحرب يستفيد منها هذا أو ذاك ويدفع اللبنانيون أثمانها في أمنهم وحياتهم وتطور وطنهم الاجتماعي والاقتصادي.

مقاومة اسرائيل والانتصار عليها ليست قضية تخص مذهباً معيناً، فاللبنانيون من مختلف الطوائف كانوا مقاومين بهذه الصورة أو تلك، والنقاش بين اللبنانيين حول هذه المسالة حُسم باعتبار أن تحرير لبنان من اسرائيل حصل عام 2000 وتبعه تحرير لبنان من سوريا عام 2005 وسيتحرر حتماً من هيمنة إيران وسلطتها ومن يعمل على صياغة حكم الملالي في لبنان وإن تستّر بستار المقاومة الا أنه تحول الى ميليشيا مسلحة تحمي الفساد وتقاتل لحساب هذا الحليف أو ذاك المرشد.

يتذكر الجنوبيون ومعهم اللبنانيون التصفيات التي طالت مقاومين وهم ذاهبون الى تنفيذ عملية أو عائدون من منطقة محتلة بعد اشتباكات هزت الكيان المحتل في أكثر من بلدة، فقد عمل النظامان السوري والايراني على مدى سنوات من أجل هيمنة “حزب الله” على الجنوب، وطبعاً ليست النية مقاتلة اسرائيل بقدر ما هي فرض الهيمنة على القرار اللبناني بإمساكه من اليد التي توجعه، فجرى تطهيره من النخب المثقفة واغتيال قيادات من مقاومي الأحزاب العلمانية التي كانت في تحالف مع القوى الفلسطينية قبل العام 1982، ليس هذا وحسب، بل عدم السماح لحركة “أمل” الشيعية بالتحرك فأخرج مقاومتها من المعادلة، وأغراها بالمناصب في الدولة على أساس أنه العفيف النظيف الذي لا يطمع بسلطة، فاذا به لاحقاً يساوم هنا وهناك ويقوم بكل ما في وسعه لحماية الفاسدين وابقاء ملفاتهم طي الكتمان ملوحاً بإفشائها، كما هي حال سلاحه الذي يقول انه للتحرير فاذا به يظهر في العراق واليمن ويحمي عصابات تهريب المخدرات وتصنيعها.

على مدى سنوات وقع الجنوب اللبناني وخزانه في الضاحية الجنوبية أسير مقاومة “حزب الله”، الذي اعتبر نفسه المحرر الأكبر ليهيمن على الأرض، ويمسك بقرار الحرب والسلم في لبنان، ويقوم بمغامرات مثلما حصل عام 2006 عندما أقدم على خطف جنديين اسرائيليين مقدماً لإسرائيل حجة لشن حرب دفع اللبنانيون نتيجتها أثماناً باهظة على كل الصعد، وأدت في ما أدت اليه الى القرار 1701 الذي قضى بنشر الجيش اللبناني جنوب الليطاني الى جانب قوات “اليونيفيل”. والنصر الالهي الذي أعلنه الحزب كشف مخططه المخفي وهو حكم ولاية الفقيه، وتعطيل الدولة التي لا تتناسب مع أهدافها، مستقوياً بسلاحه “المقدس” وترسانة الصواريخ الايرانية، على وقع التخويف والتخوين والتهديد وإقحام السلاح في الخلاف السياسي الداخلي من دون احراج.

هناك تجارب الشعوب الأخرى التي قاومت الاحتلال وهزمته لا بد من النظر اليها، فالمصريون قاوموا غزوة نابوليون بونابرت (1798 – 1801)، وواجهت المقاومة الشعبية غزو الجيش الانكليزي عام 1807، وفي العام 1951 اشتعلت حرب الفدائيين في مدن القناة حيث تركزت معسكرات الانكليز، ولم ينقذهم سوى حريق القاهرة. وكان للمقاومة دورها في اخراج الاحتلال بعد ثورة 1952. وخلال عدوان 1956 قاوم المصريون تحت سلطة الجيش الذي وزع السلاح بين أفراد الشعب، غزوة العدوان الثلاثي: فرنسا وبريطانيا واسرائيل.

وفي الجزائر التي عاشت 130 عاماً تحت الاحتلال الفرنسي، دفعت المقاومة الجزائرية مليون شهيد، وبدأت عام 1832 مع عبد القادر الجزائري ولم تهدأ. وفي العام 1954 اندلعت الثورة على مدى 7 سنوات ونصف انتهت بالاستقلال في 5 تموز وتحولت المقاومة في الجزائر بعد توقيع وقف النار مع المستعمر الفرنسي الى السلطة السياسية عبر “جبهة التحرير الجزائرية”.

وفي فرنسا، تكونت مجموعات صغيرة ضد الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وناضلت في صفوفها كل الطبقات من المحافظين والليبراليين والمتدينين الى السلطويين والشيوعيين وانتهت. وعاش المقاومون الفرنسيون مرتبطين بجهاز الدولة الفرنسي وبقيادة عسكرية ـ- سياسية من داخل الدولة عبر الجنرال ديغول، كانت على صلات تنظيمية بالخارج، أي قوات التحالف الأميركية والبريطانية والروسية التي دخلت باريس.

وخلال الحرب العالمية الثانية شكّل اليساريون في اليونان جبهة التحرير الوطنية ضد الاحتلال الايطالي وتمتعت بتأييد شعبي. ومع اقتراب التحرير جرى استفتاء كانت نتيجته عودة النظام الملكي.

أما الحرب التي حصلت بين جمهورية فيتنام الديموقراطية (فيتنام الشمالية) بالتحالف مع جبهة التحرير الوطنية ضد جمهورية فيتنام (فيتنام الجنوبية) مع حلفائها والتي استمرت من العام 1956 الى العام 1975، فكانت صراعاً بين الجمهوريتين ناتجاً عن الصراع الرأسمالي – الشيوعي. واعتمد الفيتناميون الشيوعيون حرب العصابات وقاموا بعمليات عسكرية ضد الجيش الأميركي وتغلغلوا في الجنوب حتى بلغوا العاصمة سايغون، وبعد ذلك توحد البلد وأعادت فيتنام بناء اقتصادها وعلاقاتها ببعض الغرب.

والنتيجة انه لا يمكن أن تبقى المقاومة قائمة مع زوال الاحتلال ولا يمكن تصدير الثورة الى الخارج، اذ إن تشي غيفارا هزم في بوليفيا ولم ينجح في تصدير نموذج الثورة الكوبية الناجحة ومقاومتها.

واليوم في لبنان لا بد من طرح سؤال عن وظيفة سلاح المقاومة وبقائه خارج الشرعية مما يثير الحساسيات والخلافات والانقسامات ويولد الأزمات التي لا تنتهي، ويتم التغني بصيغ تزيد التعقيدات من نوع “جيش وشعب ومقاومة” والتملص من “اعلان بعبدا” والاستراتيجية الدفاعية الموعودة والمعطلة.

شارك المقال