سامراء بين القداسة وشيطنة إيران على أبواب الانتخابات

علي البغدادي

مع اقتراب الانتخابات التشريعية في العراق المقرر إجراؤها في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، تبحث بعض الجهات النافذة ولا سيما المقربة من إيران عن ملفات حساسة تشد من خلالها العصب المذهبي، ضمن أجواء حشد الأتباع ودغدغة المشاعر لحصد أصوات الناخبين، بعدما شهد الواقع المجتمعي ارتباكاً واضحاً ارتبط بسعي انتفاضة تشرين لتفكيك المنظومة القائمة على أساس طائفي.

صور تغضب الشعب

طفا على سطح الأحداث في الآونة الأخيرة، ملفان الأول تم طيه سريعاً بعد تدخل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي أمر برفع صورة ضخمة تضم المرشدين الإيرانيين الراحل الخميني والحالي الخامنئي والجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس المقتولين بغارة أميركية وضعت قبالة مسجد الإمام أبو حنيفة النعمان في مدينة الأعظمية ذات الغالبية السنية، بمناسبة إحياء يوم القدس في آخر جمعة من رمضان، وهو ما أثار الغضب الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، واستدعى تدخلاً سريعاً من الحكومة لإطفاء فتنة كادت أن تشتعل على خلفية الرفض لفرض هذه الشخصيات، في منطقة تختلف فكرياً ومذهبياً مع إيديولوجيا ولاية الفقيه.

تداعيات ملف سامراء

أما الملف الآخر الذي مازال مفتوحاً على مختلف الاحتمالات والتداعيات، فهو ما يتعلق بالمدينة القديمة في سامراء ذات الأغلبية السنية وكبرى مدن محافظة صلاح الدين (شمال بغداد) والتي لها قدسية عند المسلمين الشيعة.

تم بناء مدينة سامراء سنة 836 لتحل محل بغداد كعاصمة للخلافة العباسية، إذ دفن فيها عدد من الشخصيات الإسلامية، وأبرزهم الإمام علي الهادي ونجلاه الإمام الحسن العسكري وجعفر الزكي وحكيمة بنت الإمام محمد الجواد ونرجس والدة الإمام المهدي.

ويعد دار الإمام علي الهادي التي اشتراها من المعماري دليل الأنصاري عندما سكن سامراء بعد هجرته من المدينة المنورة أصل العتبة العسكرية التي تتكون حالياً من صحن مستطيل الشكل يحيطه جدار ضخم مرتفع وداخله سلسلة أواوين ذات عقود مدببة يبلغ مجموعها 62 إيواناً.

وتعرضت العتبة العسكرية للتفجير بعبوات ناسفة في 22 شباط (فبراير) 2006 كما تعرضت مئذنة المسجد إلى تفجير آخر في 13 حزيران (يونيو) 2007 أدى إلى أضرار جسيمة وأسفرت التفجيرات عن تدمير القبة الذهبية والمئذنتين والهيكل الذي يثبت المبنى بالكامل تقريباً وأعيد إعمارهما لاحقاً.

واستحوذ الوقف الشيعي عقب عملية التفجير على مرقد الإمامين، وسحب الإشراف من الوقف السني وتم طرد رجال الدين الذين توارثوا خدمة المرقد منذ مئات السنين، وهو ما أدى إلى ظهور مشكلات تحمل أبعاداً طائفية خطيرة، من بينها محاولات إجبار السكان على بيع أملاكهم ومنازلهم بالمدينة القديمة، لتظهر أزمة أخرى خلال الأيام الماضية تتعلق بعض الإجراءات التي اتخذتها العتبة العسكرية الخاضعة حالياً لتأثير منظمة بدر ومن خلفها الحرس الثوري الإيراني للاستحواذ على أملاك سنية في المنطقة المجاورة للمرقد.

الصدر يستفيد من العائدات

وتسيطر على مدينة سامراء منذ نهاية 2014 فصائل من سرايا السلام التابعة لـ “التيار الصدري” بزعامة السيد مقتدى الصدر، إثر اجتياح تنظيم “داعش” لمساحات شاسعة من غرب وشمال العراق، مع أن سامراء كانت عصية على الاختراق بفضل قتال مسلحي عشائرها، لكنها خضعت بعد ذلك لسيطرة عدة فصائل أغلبها موالية لإيران، قبل أن يستتب الحال للصدريين الذين أمسكوا بكل المفاصل المهمة التي تدر عليهم عائدات مالية وفيرة.

ويريد الوقف الشيعي الاستحواذ وهدم جامع سامراء الكبير ومدرسة سامراء المغلقين قسراً منذ 15 سنة واللذين بنيا في حقبة الدولة العثمانية إلى جانب السيطرة على عقارات وأوقاف مختلفة في قلب المدينة، في خطوة يراها كثيرون أنها تندرج ضمن نوايا مبيتة لتنفيذ المخطط الإيراني للتغيير الديموغرافي في محافظة صلاح الدين شمال بغداد، خاصة وأن الجامع الكبير والمدرسة الدينية من الأوقاف السنية الصحيحة بالوثائق المعتبرة والحجج الوقفية موجودة في الأرشيف العثماني، كما أن لهما مكانتهما التاريخية والدينية للسنة في سامراء.

وتحولت المدينة القديمة التي تضم مرقد الإماميين العسكريين، إلى “غيتو” معزول عن باقي أنحاء مدينة سامراء محاطة بكتل “كونكريتية” مرتفعة، فيما تم تحديد مدخل ومخرج للزوار الشيعة، إلى جانب إجبار أصحاب المحال التجارية في شارعي البنك والشواف على الإغلاق وإقفال أسواقها المتخصصة ببيع الذهب والأقمشة والملابس التي كانت عامرة بالزبائن والحياة، ونقلها إلى أماكن أخرى خصوصاً أن بعض الأسواق مثل سوق اليهود وسوق مريم يعودان لمئات السنين مضت.

غضب شعبي من إثارة الفتن المذهبية

وأثارت خطوة الوقف الشيعي غضباً وتنديداً شعبياً وسياسياً على مستوى المواقف الرسمية أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي دشنت حملات ترفض محاولات إثارة الفتن المذهبية.

ووفقاً لبيان الميثاق الوطني العراقي، فإن “قضاء سامراء في محافظة صلاح الدين يتعرض من قبل ميليشيا الحشد الشعبي وديوان الوقف الشيعي إلى استهداف ممنهج، متنوع بين التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي بالاستيلاء على ممتلكات أهالي سامراء العامة والخاصة، وحملات اعتقالات وقتل مستمرة تستهدف جميع فئات المجتمع من أبناء سامراء المضطهدين”.

واكد البيان أن “استمرار استهداف قضاء (سامراء) مشروع إيراني خطير يهدف إلى التغيير الديموغرافي الطائفي وعزل سامراء عن محافظة صلاح الدين، وله علاقة مباشرة في استهداف “اللطيفية” و”الطارمية” وجرف الصخر التي أصبحت قاعدة عسكرية للميليشيات الموالية للحرس الثوري الإيراني”.

ومع أن منظمة اليونسكو وضعت مدينة سامراء على لائحة التراث العالمي الإنساني، لما تحتويه من آثار زاخرة وهي خطوة أثارت ارتياحاً في الأوساط الثقافية وولدت أملاً بإنقاذ المدينة، من غبار الإهمال وتردي الخدمات، إلا أن واقع الحال لم يتغير، فالإهمال لا يزال علامة مميزة لواقع آثار المدينة.

ويحاول القائمون على وضع الآثار الاهتمام بمئذنة الملوية (بنيت في عهد الخليفة العباسي المتوكل حوالي سنة 849 م) وتعرضت قمتها للتفجير أواخر عام 2006 من قبل مسلحين مجهولين، فضلاً عن العمل بكل جد على استعادة البهجة المفقودة لهذا الأثر الشامخ الذي تجاوز عمره الـ1000 عام والذي أصبح معلماً ساحراً في عاصمة العباسيين التي أطلقوا عليها اسم “سامرّاء” أي (سر من رأى) إلى جانب كونه من أهم المعالم الأثرية في العالم.

ويرتبط السامرائيون بوشائج من العاطفة مع ملويتهم، كما يلتزمون بطقوس خاصة فمنهم من يصعد درجاتها ركضاً وبعضهم بالدراجات رغم خطورة ذلك كما يتناقلون قصصاً عن حالات العاشقين المنتحرين من أعلى قمتها، ويتداولون حكايات عن لقاءات المحبين في جنباتها ومن بينها قصة تعرف الشاعر السوري الراحل نزار قباني لأول مرة على حبيبته العراقية بلقيس الراوي التي قتلت في تفجير السفارة العراقية في بيروت مطلع الثمانينيات، فوق أعلى قمة المئذنة الملوية.

وبفضل طرازها المعماري المميز وشكلها الحلزوني الفريد وارتفاعها البالغ 52 مترا وكونها مقامة على قاعدة مربعة ضلعها (33 م) وارتفاعها(3 م) ودرج يلتف حول بدن المئذنة من الأسفل إلى الأعلى، عكس اتجاه عقارب الساعة، جعلها تبدو في عناد مع الزمن وتفصح عن سر حفظها من الفناء.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً