“حزب الله”: خطابات ضائعة بين التهديد والتهدئة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

أكثر الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله من ظهوره الاعلامي قبل الانتخابات النيابية لشدّ العصب، وفق سياسة العصا والجزرة، وبعدها أيضاً مرة من أجل التخفيف من وقع الدرس الذي قدمه اللبنانيون في إسقاط حلفائه وتراجع نسبة أكثريته، ومرة من أجل “البهورة” بكلام غير واقعي عن قوة مقاومته ومحاولة خداع اللبنانيين بشأن نقاش الاستراتيجية الدفاعية والقول بحل مشكلة لبنان عن طريق استخراج النفط، فيما لم تغِب في كل هذه الخطابات لغة التخوين والتهديد العلني والمبطن.

الواضح أن “حزب الله” لم يستطع السيطرة على الأكثرية النيابية، وفشل في الحصول على العدد الذي يسمح له الامساك بقرار المجلس النيابي، وكان مقتنعاً بأنه سينجح في محاصرة وليد جنبلاط وهزيمته في عقر داره والاتيان بنواب دروز من مرشحيه، وأنه سيستفيد من الاعتكاف والاعتراض السنّي على طبيعة الانتخابات، ليخرق عبر حلفائه الطائفة السنّية، وايجاد مجموعة تؤيده وان كانت نسبتها قليلة تضم حلفاء النظام السوري والأحباش وشخصيات أخرى… الا أن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر.

هزيمة “حزب الله” في الانتخابات بدت واضحة، فمفتاح المختارة والجبل لا يزال في يد جنبلاط، والسنّة قاوموا وانتفضوا على محاولات السطو على أصواتهم، مما اضطره الى التراجع على الرغم من محاولاته التزوير في النتائج ولا سيما في طرابلس، وتهديداته للناخبين ومرشحي المعارضة والتغيير وتخويفهم، حتى أن الخرق طال لائحتيه في صيدا – جزين والنبطية – مرجعيون، وعكست نسبة الذين انتخبوا مزاج البيئة الحاضنة بالمقاطعة الصامتة وهي رسالة واضحة بعدم الرضى عن سياسات القوة المهيمنة.

خرج “حزب الله” من الانتخابات في البداية مهدّداً نواب التغيير كالعادة ومن صوتوّا بعكس ما كان يشتهي، فلم تعد هناك أكثرية وغالبية ولا كتل كبرى مسيطر عليها، ولا امكان لاحتواء الكتل الصغيرة التي خرجت من الشارع الشعبي، لا بل ظهرت امكانية مواجهة “حزب الله” والتصدي له داخل المجلس النيابي، ولذلك لم يكن خطاب النائب محمد رعد التهديدي عادياً، فقد ذكّر اللبنانيين بانتخابات العام 2005 عندما فازت قوى 14 آذار بالأكثرية وبدأت تكرّ سبحة الاغتيالات.

خسارة “حزب الله” وحلفائه أثّرت في المشهد الرئاسي، فلم يعد يُحكى بجبران باسيل واستبعد خيار سليمان فرنجية كما يقول البعض، وهذا ما دفع نصر الله الى تغيير اللهجة في خطاب هادئ حاول من خلاله إظهار أنه يستوعب الآخرين. وعندما قال: “أعرف جيداً أن هناك مشكلة واضحة لجهة السلاح الذي يملكه حزب الله، وهناك انقسام عامودي في المجتمع اللبناني حياله”، أراد من خلال ذلك القول للجميع بأن هذا السلاح ليس لبنانياً ولا بيد “حزب الله”، وهذه حقيقة أكدها ولا يزال الحزب. كما أراد القول “لنضع السلاح خارج الطاولة وليتم التفاوض على حل مشكلات لبنانية سوياً”، مع أنه قبل ذلك خاطب “الأعداء” بقوله: “فشرتم اذا أردتم نزع سلاحنا”.

وهنا لا بد من التساؤل: كيف يمكن أن يتحمل اللبنانيون عبء هذا السلاح والدخول في قضايا أخرى وهو لبّ المشكلة، والتهرّب من الاعتراف بأن الانقسام الحقيقي الموجود داخل المجتمع اللبناني هو بسبب السلاح؟ وهذه حقيقة، فقد أراد نصر الله القول ان السلاح ليس بإمكانكم انتزاعه، ولكن لنصل الى هدنة صغيرة مدة سنتين، وقد يكون هذا الكلام حقيقياً ولكن ما الذي سيقدمه “حزب الله” ليكون هناك امكان للتسوية اذا لم يقدم سلاحه؟

خطاب نصر الله الهادئ لم يكن سوى محاولة للقول انه ليس مهزوماً ويريد التهدئة ريثما تنقشع الرؤية في الاتفاق النووي، بحيث يرى بعض المراقبين أن هناك فتوراً أميركياً تجاهه بعدما أخذتهم الحماسة في وقت سابق لانجازه.

والملاحظ أن بشار الأسد عاد منذ فترة ليعلن أن مزارع شبعا سورية وبذلك يفقد سلاح “حزب الله” مبرر وجوده، فعمد الحزب الى الالتفاف على الأمر بالقول ان سلاحه في خدمة وحماية موارد لبنان البحرية أي نفطه وغازه ولن يسمح لإسرائيل بسحبها، مما يعني أنه يجد المبررات دائماً لابقاء سيف سلاحه مصلتاً على الدولة، وإن أراد أحد هلاكه فلن يذهب الى الجحيم وحده بل سيغرق الجميع فيه وهذا ما حصل فعلياً.

في المجلس الحالي، لن يستطيع “حزب الله” الاتيان برئيس له بسهولة ولا انجاز تشريعات أو اتفاقات تجيز له البقاء والسيطرة على مفاصل الدولة، أو تفصيل قانون انتخاب جديد مشابه للحالي بغية الاستفراد بالسلطة أو فرض رئيس للجمهورية، فبسلوكه هذا سيكون عبئاً على الرئيس نبيه بري لأنه سيضعضع العمل التشريعي وسيكون بإمكان نواب المعارضة عدم تأمين النصاب لتمرير مشاريع قوانينهم كما فعلوا هم في السابق، وهو أمر يخيف “حزب الله” ومن هنا يسعى الى تسوية مرحلية حتى يلملم وضعه.

“حزب الله” المحاصر اليوم في كل المناطق اللبنانية يدرك جيداً أنه لا يستطيع القيام بما مارسه الحشد الشعبي في العراق، ولا يستطيع الدخول في مواجهة مع المعارضة في الشارع، لأن هذا سيضعه في مواجهة قد لا تحمد عقباها ويتخوف من الانفلاش الذي سيفيد اسرائيل في تنفيذ عمليات اغتيال، من هنا يطلب التهدئة حتى لا يتحمل وزر الانهيار الاقتصادي وربما تفتح له بوابة النجاة اذا ركز على هذا الوضع لرفع شعبيته، لذا، فلن يعرقل ربما الخطط التي تأتي بأموال الخارج لأنها ستساعده وتساعد حلفاءه.

من هنا يتظهر أن الخطاب الجماهيري الشعبوي لـ”حزب الله” انتهى مع انتهاء الانتخابات، بعدما استشرس حتى لا ينتزع أحد منه مقاعد شيعية لأنه يريد البقاء محصّناً وحامياً لنفسه داخل الحاضنة الشيعية وأن يكون ممثلاً للطائفة لأنه يعرف أن أي غياب للنواب الشيعة سيؤثر فيه ويربك وضعه.

لا أحد بإمكانه تجاهل حالة الارباك التي أصابت الحزب، وهو يبحث عن طرق للخروج من عنق الزجاجة التي وضع نفسه فيها عبر التهدئة، لكنه لا يبادر الى اطلاق أي اتفاقات ولا يرضى بمبادرات من الطرف الآخر، مما يؤكد أنه يتنفس ايرانياً… ووجوده في لبنان وديعة إيرانية لا بد أن تنتهي صلاحيتها كما إنتهت صلاحيات الودائع السورية.

شارك المقال