قانون الانتخاب “المسخ”… عدالة تمثيل للمسيحيين؟

محمد شمس الدين

كان يا ما كان في قديم الزمان، في بلد اسمه لبنان، أسطورة أطلقها حزبان، عن قانون انتخاب يؤمن عدالة التمثيل لطائفتهما. وعلى الرغم من كل شوائب هذا القانون من خرق ميثاقي، ودوائر لا تركب على قوس قزح، تم القبول به من أجل أن يرضى هذان الحزبان، فقد رُكّب على قياس شخصين فقط، لدرجة أن أطلق عليه لقب “المسخ”، بسبب نتائجه الغريبة العجيبة. وفي تفنيد بسيط لنتائج الانتخابات قبل التحليل الشامل الذي تقوم به شركات الاحصاء الكبرى وبالاعتماد على تحليلات انتخابات 2018، سنحاول في هذا النص تحليل النتائج التي نشرتها وزارة الداخلية على الموقع الرسمي الخاص بالانتخابات، للتأكد من صحة أسطورة “التمثيل المسيحي”:

– دائرة بيروت الثانية حصل النواب المسيحيون فيها على 22009 أصوات، بينما الباقون حصلوا على 108413 صوتاً. لا يمكن فعلياً تحديد عدد الأصوات التي حصل عليها المرشحون المسيحيون في هذه الدائرة، ولكن في العام 2018 كان مجموع الأصوات المسيحية 9212 صوتاً. أما الحاصل في هذه الانتخابات في الدائرة فكان 13538.272، وهذا يعني أن أي مقعد من المقعدين المسيحيين في الدائرة لا يمكنه الفوز حتى لو أخذ كل أصوات المقترعين المسيحيين فيها، وبالتالي الأصوات غير المسيحية هي التي تؤمن النجاح للنائبين المسيحيين فيها.

– اقترع في العام 2018 في دائرة صيدا – جزين 23109 ناخبين مسيحيين، بينما حصل المرشحون المسيحيون في هذه الانتخابات على 30633 صوتاً، وهذا يعني أن تجيير الأصوات كان من المكونات الأخرى للمرشحين المسيحيين، وطبعاً الحاصل كان ليختلف لو أن تيار “المستقبل” خاض الانتخابات في الدائرة، فليس سراً أن حزب “القوات” اعتمد على ناخبي الرئيس فؤاد السنيورة و”الجماعة الاسلامية”، وإلا لكانت لائحة أسامة سعد هي الوحيدة التي استطاعت الفوز بحاصل في الدائرة، وفي حال تكتل المكونات الأخرى في الدائرة، من الصعب جداً أن يفوز أي مرشح من المكون المسيحي وحده.

– هناك مقعد مسيحي واحد في دائرة الجنوب الثانية، في العام 2018 صوّت 9058 ناخباً مسيحياً، بينما حاز جميع المرشحين المسيحيين في انتخابات هذه السنة على 9589، والحاصل في الدائرة هو 23297.571، وهذا يعني أن المقعد المسيحي فيها لا يمكنه الفوز إلا بأصوات المكونات الأخرى.

– في دائرة الجنوب الثالثة، هناك أيضاً مقعد مسيحي واحد، الحاصل فيها هذه السنة كان 21109.91، بينما مجموع الأصوات التي حصل عليها المرشحون المسيحيون هي 11077 صوتاً. وفي انتخابات 2018 صوّت 12516 ناخباً مسيحياً، هذا بغض النظر عن أن الياس جرادة، ذو خلفية شيوعية، وليس بالضرورة أن يكون التصويت له من الطائفة المسيحية فقط، وفرضاً لو حصل ذلك، لا يستطيع المسيحيون تأمين الحاصل لأي مرشح لهم في الدائرة، وعليهم الاعتماد على أصوات المكونات الأخرى.

– بقاعاً وفي الدائرة الأولى، اقترع في العام 2018، 42919 ناخباً مسيحياً، مقابل 45304 مسلمين، بينما حصل المرشحون المسيحيون في هذه الانتخابات على 51682 صوتاً، أما الحاصل فهو 13241.571، وكان للصوت المسلم دور كبير في إيصال عدد من المرشحين في هذه الدائرة، حيث أنهم وعلى الرغم من امتلاكهم 3 حواصل وكسر 0.4، مقابل 3 حواصل للمسيحيين وكسر 0.2، لا يملكون سوى نائبين واحد شيعي وآخر سني مقابل 5 مقاعد للمسيحيين، وبالتالي “التيار الوطني الحر” لم يكن ليستطيع الحصول على حاصل واحد حتى، فيما حزب “القوات” كان سيحصل على حاصل مع كسر 0.5، أما ميشال الضاهر فكل من عمل في الانتخابات في هذه الدائرة يعلم أنه ركّز على الصوت السني فيها في ظل غياب تيار “المستقبل”، ما يعني أن المسلمين لديهم تأثير 3 نواب ونصف في عاصمة الكثلكة.

– أما في دائرة البقاع الثاانية، فلا يمكن لأي مرشح مسيحي أن يحصل على حاصل، بحيث أنه في العام 2018 اقترع 9605 ناخبين مسيحيين، بينما حصل المرشحون المسيحييون على 15187 صوتاً، فالحاصل هو 11024.667، هذا يعني أن بقية المكونات في الدائرة هي من تحدد النواب المسيحيين الناجحين.

– في دائرة البقاع الثالثة التي تضم مقعدين مسيحيين، اقترع في العام 2018، 20783 ناخباً مسيحياً، بينما حصل المرشحون المسيحيون في انتخابات هذه السنة على 36252 صوتاً، وعلى حاصل 19113.9، ما يعني أن المسيحيين يجب أن يصوّتوا جميعاً لمرشح واحد كي يستطيعوا أن ينجحوا بأصواتهم نائباً من أصل الاثنين، والثاني تحدده المكونات الأخرى، وفعلياً في هذه الانتخابات اعتمد كل من “التيار الوطني الحر” و”القوات” على تحالفاته كي يأخذ كل منهما نائباً.

– شمالاً وفي دائرته الأولى عكار صوّت في العام 2018، 27486 ناخباً مسيحياً، أما الحاصل في انتخابات هذه السنة فكان 21232.286، بينما حصل النواب المسيحييون على 44966، وهذا يعني أن المسيحيين يستطيعون فعلياً الحصول على حاصل واحد مع كسر 0.2 فقط، بينما النواب الباقون ينجحون بأصوات المكونات الأخرى في الدائرة.

– أما في دائرة الشمال الثانية فالأمر محسوم، اذ لا يمكن للمسيحيين أن يُنجحوا أياً من المقعدين من حصتهم في الدائرة، حيث حصل المرشحون المسيحيون على 11628 صوتاً، بينما الحاصل 13149.182. وكذلك في العام 2018 اقترع فقط 9721، وهذا يعني أن المقعدين المسيحيين في الدائرة ينجحان بأصوات المكونات الأخرى فيها.

– في دائرة بعبدا اقترع في العام 2018، 37536 ناخباً مسيحياً، بينما حصل مرشحو هذه السنة من المسيحيين على 43902، مقابل 40843 للطوائف الأخرى، حصد “القوات” مقعدين، وبالطبع لا يمكن تحديد أي من الطوائف صوّتت له، ولكن باعتبار أن كل طائفة صوّتت لنوابها، يمكن القول إن “القوات” يستطيع الحصول على حاصل مع كسر 0.4، أما التيار فمجموع الأصوات التي حصل عليها مرشحوه هو 12266 بينما الحاصل هو 14121.333، وبالتالي التيار لا يمكنه إنجاح نوابه في هذه الدائرة بينما “القوات” يستطيع إنجاح نائب واحد بقوته وحدها.

– أما دائرة الشوف – عاليه، فيمتلك المسيحيون فيها حيثية ولكنهم بأصواتهم وحدهم يستطيعون الفوز بـ 4 من المقاعد الـ 6، إذا اتحدوا كلهم وصبّت أصواتهم في صالح الأربعة، وإثنان يفوزان بأصوات بقية المكونات. وفي ملاحظة الأصوات هذه السنة حصل المرشحون المسيحيون على 72243 صوتاً، بينما في العام 2018 اقترع 54986 ناخباً مسيحياً.

وفي الدوائر التي تحظى بالثقل المسيحي مثل بيروت الأولى والمتن والشمال الثالثة، حيث المقاعد الـ 26 هي للطائفة المسيحية، هناك أصوات مكونات أخرى تدخل في الحسبان أيضاً. ففي بيروت الأولى اقترع في العام 2018، 4647 ناخباً من الطائفة السنية، وهو عدد قد يتضاعف عندما يملك السنة ممثلاً عن مكونهم فيها، وبالتالي هذا حاصل وحده. أما في المتن فالأصوات الشيعية كان لها دور كبير في فوز مرشح في انتخابات 2018، ويبدو أن الأمر تكرر في هذه الانتخابات، بينما في الشمال الثالثة تخطت الأصوات السنية الـ 10 آلاف ناخب في العام 2018، وهو رقم قد يرتفع في حال وجود ممثل لهم، وتوزعت على القوى في الدائرة، ولكنها شكلت رافعة على الأقل للائحتين في الانتخابات الماضية.

أما جبيل – كسروان، التي فيها مقعد شيعي واحد، مقابل 7 مقاعد للموارنة، فهي قد تكون الدائرة الوحيدة التي يمكن للمسيحيين أن يحصلوا على مقاعدهم فيها كاملة من دون أي تأثير من أي مكون آخر، بل فعلياً المقعد الشيعي يحتاج الى أن يكون في لائحة من لوائح القوى المسيحية كي يستطيع أن يصل إلى الحاصل.

كل هذه الأرقام تدل على أن الثنائي المسيحي “التيار الوطني الحر” و”القوات”، يصران على قانون الانتخاب هذا لأنه يفيدهما وحدهما، مع نسبة اقتراع مسيحية متدنية، وذلك بسبب عدم قدرة المسيحيين غير المنتمين إليهما على النجاح، بسبب تحالفات الحزبين مع المكونات الأخرى، وكذلك في بعض الدوائر تتدنى نسبة الاقتراع لطوائف أخرى بسبب عدم وجود نائب يمثلها فيها، ومن يصوّت منها يجيّر أصواته إلى المسيحيين في الدائرة. ويمكن الاستنتاج أن التيار و”القوات”، يحافظان قدر الإمكان على قانون الانتخاب “المسخ” لأنه يفيدهما وحدهما فقط، في تأمين أكبر عدد من النواب لهما، بينما يحرم العديد من المسيحيين من حقهم في إيصال من يمثلهم إلى الدورة النيابية.

شارك المقال