أبناء طرابلس وترؤس الحكومات: من يستحقّ المنصب؟

إسراء ديب
إسراء ديب

بعد إصدار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تعميماً بشأن التقيّد بأحكام المادة 64 من الدستور في معرض تصريف الأعمال بعد اعتبار الحكومة مستقيلة، طرحت أسماء سنية عديدة منها طرابلسية تحلم بتبوؤ هذا المنصب الذي كانت تتلقفه المدينة مع أبنائها بكلّ طاقتها منذ أعوام، إذ تُعرف طرابلس التي لا تُعدّ مدينة “عابرة” سياسياً بأنها “ولّادة” حكومياً بثقلها السنّي والسياسي الذي يجعلها قادرة على كسب الثقة والأولوية المتاحة في هذه البلاد المنقسمة طائفياً بشكلٍ واضح للوصول إلى الموقع السنيّ الأوّل.

يُمكن القول إنّ الأسماء السنية الطرابلسية التي كانت تُطرح مسبقاً لهذا الموقع الرئيسي محلّياً، قد تراجع زخم بعضها كما أزيل البعض الآخر من التداول بعد الاستحقاق الانتخابي مع الظروف السياسية الطارئة على البلاد، فإذا كانت الفيحاء من أكثر المدن اللبنانية “المصدّرة” للسياسيين والنواب وطنياً، فإنّها باتت اليوم تُواجه أزمة سياسية لا تُبعدها تماماً عن هذه الصورة أو المشهد السياسي المعتاد، لكن تستبعد عموماً عودة هذا النشاط الحكومي إليها من جديد، خاصّة بعد تجربة ميقاتي الأخيرة، لبنانياً وطرابلسياً.

الإنجازات الحكومية لسياسيي طرابلس

يرى أنصار الرئيس ميقاتي أنّه حقّق “إنجازات إنمائية وحكومية” عدّة بدءاً من وزارة الأشغال والنقل وصولاً إلى رئاسته الحكومة للمرّة الثالثة، معتبرين أنّه تعرّض لظلم كبير خاصّة في ولايته الأخيرة لحكومة “الإنقاذ”، لكنّهم يغفلون حقيقة أنّ الرئيس ميقاتي الذي عاد الى هذا المنصب من جديد وتحديداً في فترة عهد رئاسي لا يقلّ خطورة أو استبداداً عن أيّ نظام ديكتاتوري قاتل، لم يكن على قدر المسؤولية المتوقّعة منه، إذ تحمّل أعباء كثيرة في وقتٍ تشتعل فيه الأزمات والانقسامات محلّياً، وباتت كلماته التي يُطلقها في كلّ مؤتمر صحافي مع دموعه أحياناً، “تراند” عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعرضة للتهكم من روادها، ومنهم طرابلسيون عارضوا تدخله في هذه المرحلة الحاسمة سياسياً، متوقّعين فشل هذه الحكومة وعدم ثقة الكثير منهم بميقاتي أو بأيّ رجل سياسيّ آخر.

أفضت الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى نتيجة أدّت إلى نجاح وجوه سياسية عدّة مع أخرى جديدة في دائرة الشمال الثانية (طرابلس، المنية والضنية) وأبرزها النائب المنتخب أشرف ريفي الذي كان أكّد غداة الانتخابات في حديث لقناة “الحرّة”، أنّه “مستعدّ لقبول منصب رئاسة الحكومة”، معتبراً أنّ هذا الموقع مسؤولية، “فأنا كنت في كلّ المواقع التي كلّفت بها قد أديت دوري كلياً، وبالتأكيد اذا حظيت بالعدد الكافي (من الأصوات) لتكليفي، فأنا جاهز ومن دون تردد نهائياً”. لكنّه عاد ونفى هذا الحديث وتحديداً في 23 أيّار الجاري في تغريدة على حسابه عبر “تويتر”، كاتباً: “لم أطرح نفسي لرئاسة الحكومة ومن يطرح نفسه يُخالف الدستور…”، الأمر الذي لم يوضح بدقة أهداف ريفي وطموحه السياسيّ في الفترة المقبلة، لا سيما وأنّه يقوم بمواجهة “حزب الله” ومحمّد رعد الذي كتب عنه: “ما يعنِتر علينا محمد رعد، نحن مكوّن أساسي في هذا البلد وسنفرض الحكومة التي نريدها ولن نساوم…”، وذلك في مواجهة مستمرّة مع الحزب في ظلّ وجود بعض المعطيات التي تُشير إلى أنّ ريفي لن يُصوّت لصالح رئيس مجلس النواب نبيه بري لتولّي منصب رئاسة المجلس في ولايته السابعة، مع العلم أنّ هذه المعلومات قد تعدّل في وقتٍ تسمح فيه الظروف السياسية بذلك، لكنّها مؤشرات تلفت إلى أنّ ريفي في استراتيجيته التي تكاد تكون أقرب إلى “العسكرية” لن يسمح له في هذه الفترة بتولي هذا المنصب على الرّغم من وجود مناصرين له، خاصّة في وقتٍ لا يزال الطرابلسيون يستذكرون انتصاره في المعركة البلدية وعدم القيام بأيّ إنجاز بلدي على صعيد المدينة المنكوبة، كما يعتب الكثير منهم عليه حين ترأس وزارة الداخلية والبلديات، “ولم يتمكّن من مساعدة الموقوفين الاسلاميين في قضيتهم المحقّة عند تولّيه منصباً أساسياً في الدولة”، وفق ما يقول عدد من الأهالي.

يُمكن القول إنّ الانتخابات ونتائجها “الموجعة” أحياناً أسقطت وجوهاً لم نكن نتوقّع سقوطها أخيراً وهي قريبة من النظام السوري والمحور الممانع “المكروه”، كما أسقطت حلم النائب السابق فيصل كرامي الذي كان يحلم ولا يزال برئاسة الحكومة ويسعى إليها دائماً، تكريساً لمبدأ “التوريث السياسي” لآل كرامي في طرابلس، وحقّهم في الحصول على هذه “الحظوظ” الانتخابية والسياسية فيها، لكون “الأفندي” من عائلة عريقة تمتدّ جذورها الوطنية قبل مرحلة الاستقلال مع الوطني عبد الحميد، والشهيد رشيد، والراحل عمر كرامي، لكن لا يُمكن إغفال أنّ كرامي مثلاً الذي كان وزيراً للشباب والرياضة في حكومة ميقاتي أيضاً، لم ترَ منه طرابلس أيّ مشروع رياضي يليق بها.

أما نواب طرابلس السنة الآخرون، فلا يُمكن التعويل على أسمائهم لا سيما الجدد منهم، في وقتٍ ابتعدت وجوه سياسية معروفة عن الساحة السياسية كالوزير السابق محمّد الصفدي الذي كان يدعم تيّار “المستقبل” ويُهاجم ميقاتي، الذي ضمّ في حكومته التي ترأسها في العام 2011، الصفدي كوزير للمالية حينها.

وعلى الرّغم من الحديث عن عودة ميقاتي إلى منصبه من جديد ليتولّى رئاسة الحكومة للمرّة الرابعة وتركيز خبراء منذ أشهر على تركيز اهتمامه بالعمل الحكومي أكثر من الانتخابي، فإنّ مصادر عدّة تلفت إلى تراجع حظوظه الحكومية، مع التراجع في “شعبيته الطرابلسية التي باتت تربط كلّ الأزمات المعيشية بقرارات هذه الحكومة”، والتي يراها العديد من المواطنين “فشلت بصورة كبيرة، وهو فشل يمتدّ إلى الحكومات السابقة المتعاقبة والتي كانت شاهدة على انهيار سعر صرف الدولار ولم تُقدم على أيّ خطوة لتثبيته، وعلى العراقيل التي عرفها رؤساء طرابلسيون ولم يُقدّموا أيّ مشروع إنمائي لطرابلس، وكأنّهم من عالم ومدينتهم من عالم آخر”.

شارك المقال