انتخاب نائب رئيس المجلس: إعادة اعتبار للعبة الديموقراطية!

جورج حايك
جورج حايك

لم يكن لانتخاب نائب رئيس مجلس النواب أهمية كبيرة في تاريخ مجلس النواب، بل كان يجري تلقائياً مع انتخاب رئيس المجلس من دون ضجيج أو منافسة شديدة، لكن في برلمان 2022 المنتخب حديثاً، يبدو لهذا الموقع أهمية كبيرة تتجاوز دوره والمسؤوليات المنوطة به.

لا شك في أن انتخاب رئيس مجلس النواب بات محسوماً بحكم سيطرة “حزب الله” وحركة “أمل” على التمثيل الشيعي، ولو بالترغيب والترهيب، والواقع يشير إلى إعادة انتخاب رئيس حركة “أمل” نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، ولو لم يؤمّن الأكثرية وربما يكون فاقداً للميثاقية عبر امتناع أكثرية النواب المسيحيين عن التصويت له، لذلك تتجه المعركة إلى أن تكون معركة أوراق بيضاء، وهذا له دلالة كبيرة على المستويين السياسي والوطني.

في ظل هذه المعطيات تتجه الأنظار إلى معركة انتخاب نائب رئيس مجلس النواب الذي يشغله عادة نائب من الطائفة الأرثوذكسية، وتشكّل هذه الانتخابات، ولو أنها أقل أهمية من انتخاب رئيس المجلس، بارقة أمل للشعب اللبناني الذي يتعطّش للمنافسة الديموقراطية التي لا تُعرف فيها النتائج مسبقاً، وحتماً تعود ذاكرة بعض المعمّرين إلى ما حدث في 23 أيلول 1970 عندما انتخب النواب رئيس الجمهورية، الخامس، سليمان فرنجية بفارق صوت وحيد عن منافسه إلياس سركيس في وقت خفتت فيه حدة التدخلات الإقليمية والدولية في لبنان!

قد يُقال إنه لا تجوز المقارنة بين عملية انتخاب رئيس الجمهورية وانتخاب نائب رئيس مجلس النواب، وهذا كلام صحيح، إلا أننا نقصد بهذه المقارنة الاحتكام إلى اللعبة الديموقراطية من دون أي اعتبار آخر، وهذا ما ينتظر المجلس النيابي يوم الثلاثاء، وربما تمدد عملية انتخاب هيئة مكتب المجلس إلى يوم آخر.

لا يختلف اثنان على أن كل تكتل في المجلس النيابي الجديد له مرشحه الخاص، إلا أن آخر المعلومات تشير إلى أن هامش المنافسة بدأ يضيق وينحصر بين أسماء قليلة: الياس بو صعب (التيار الوطني الحر)، غسان سكاف (مقرّب من “الاشتراكي”) وسجيع عطية ( كتلة “إنماء عكار”)، وربما تثمر الساعات الأخيرة اتفاقاً بين القوى السيادية والتغييرية على مرشّح ينتزع الأكثرية ولو بعدد غير كبير من الأصوات.

في الواقع، لم تتوقف المفاوضات بين “القوات اللبنانية” والنواب السياديين والتغييريين من أجل الاتفاق على إسم واحد يخوضون فيه هذه الانتخابات، والنقطة الايجابية في الموضوع أن “القوات” غير متمسكة بأي اسم ولا تطرح أحداً من نواب تكتلها، ولو تمّ التداول كثيراً بإسم غسان حاصباني، إلا أنها شددت على مواصفات معينة وستنتخب من تنطبق عليه هذه المواصفات، وفي المقابل نفى النواب “التغييريون” أن يكون النائب ملحم خلف مرشحاً لهذا المنصب، وبالتالي إمكان الاتفاق على مرشح واحد لا يزال مطروحاً أو اختيار أحد الأسماء المرشّحة الأقرب إلى فكرهم وطروحاتهم.

لكن لا يمكن إلا التوقّف أيضاً عند إسم المرشح سكاف الذي يطرحه الحزب “التقدمي الاشتراكي” وقد يحظى بتوافق أكبر عدد من النواب من المعسكرين المتناقضين، وأيضاً إسم المرشّح عطيّة الذي يتوقّع البعض أن ينسحب في ذروة المعركة. أما بو صعب فقد يحظى بأصوات “التيار” و”حزب الله” فقط، ومهما كان الأمر لن تكون المعركة سهلة، بل حامية، وخصوصاً بالنسبة إلى السياديين والتغييريين الذين سيواجهون اختباراً جدياً في هذه الانتخابات حول إمكان الاتفاق على مرشّح واحد، وتأمين أكثرية الأصوات له، وهذا مؤشّر سيمتد إلى استحقاقات أخرى أهم بكثير، أي الاتفاق على إسم رئيس وزراء مكلّف يشكّل حكومة تكسب ثقة المجلس النيابي وتذهب إلى تنفيذ الاصلاحات الموعودة وتستعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان!

في انتظار ساعات الحسم والعملية الانتخابية التي ستجري في المجلس النيابي، لا بد من التعريف عن مهام نائب رئيس المجلس النيابي وهو يتولى صلاحيات الرئيس في حال غيابه أو عند تعذر قيامه بمهامه، ونذكّر بأن مهام الرئيس هي تمثيل المجلس والتكلّم بإسمه، يرعى في المجلس أحكام الدستور والقانون والنظام الداخلي، يرأس الجلسات ويتولى الصلاحيات المنصوص عليها في هذا النظام، يحفظ الأمن داخل المجلس وفي حرمه، ويلفظ العقوبات ويطبّقها.

وهناك نقطة مهمة يجدر لفت النظر اليها، إذ تصبح أهمية هذا المنصب كبيرة عندما يكون رئيس المجلس متقدماً في السن، وهذا ما ينطبق على واقع المجلس النيابي الحالي.

إذاً سنشهد الثلاثاء المقبل انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب للمرة السابعة على التوالي، أما “توازن الرعب” فسيظهر من خلال انتخاب نائب رئيس المجلس في الاحتكام الى اللعبة الديموقراطية للمرة الأولى في تاريخه، بعدما كان يُنتخب بتعيين مبطّن من خلال توافق القوى وفقاً لمصالحها!

شارك المقال