نبوءة ميشكا بن دافيد والطوفان الفلسطيني

زاهر أبو حمدة

لم تبدأ المفاجأت الكبرى. طوفان بشري يوحد فلسطين شعباً وجغرافيا. “الدولة تحترق” كما عنونت “معاريف”. تتوسع رقعة النار حول “الكابينت” ولم يستطع “الكرياه” إنقاذ صورته إلا بقتل الأطفال وتدمير أبراج غزة. وعلى الرغم من كل ما يحصل في المدن الفلسطينية المحتلة وصواريخ غزة واشتباكات الضفة، لم تبدأ المفاجأت الكبرى. فماذا يمكن أن يحمل الفلسطينيون في جعبتهم؟ يمكن أن تكون الإجابة في رواية “القرش” لميشكا بن دافيد.

دخل بن دافيد، “الموساد” بالصدفة بعدما قرأ إعلاناً في صحيفة وإجراء مقابلة للتوظيف. وخرج من العمل الاستخباراتي بمعطيات وتجارب هامة. ولأنه حائز على الدكتوراه في الأدب العبري، حوّل خبراته إلى روايات بوليسية وخيال علمي. وتروي “القرش” في إطار من التشويق والتوقعات مع شيء من الواقع قصة غواصة نووية إسرائيلية (القرش) في البحر المتوسط بقيادة الجنرال يارون غال، المضطر لأخذ قرار استراتيجي لحماية إسرائيل بعد اضطرابات وتظاهرات وحرب على جبهات عدة وانقطاع الاتصال مع القيادة العسكرية. تتعمق الرواية بنبوءات مستندة إلى حقائق، ومع أنها خضعت للرقابة الإسرائيلية إلا أنها تمس الأمن القومي الإسرائيلي من ناحية الاستشراف المستقبلي واسناده لوقائع تحصل في الوقت الحالي. تبدأ الرواية في الأول من أيار/ مايو 2022، باقتحام وحدة النخبة الفلسطينية “الكومندوز المدجج” المستوطنات في محيط غزة، عبر الانفاق. ويصلون عبر نفق طويل إلى النقب ويحررون مستوطنة “كفار عزا”. تستند خطة المحررين الفلسطينيين إلى خلايا (كل خلية من ثلاثة أفراد) ويتمكنون من السيطرة على الخريطة الفلسطينية في الجنوب. وفي الوقت نفسه، يعبر الحدود من غزة آلاف المتظاهرين عبر حاجز بيت حانون ويحررون مدينة عسقلان، ويقتلعون الحواجز الإسرائيلية حتى إن الجنود الإسرائيليين لا يستطيعون ايقاف الموجات البشرية. يصور الكاتب في أحد مشاهد الرواية أن جندياً إسرائيلياً يفرغ مخازن بندقيته وجعبته بالمتظاهرين حتى يصلون إليه ويقتلوه دعساً بالأقدام مع زملائه. وفي مشهد آخر، تتكثف صرخات النجدة إلى “الشاباك”، وجهاز الأمن نفسه لا يسيطر على الجماهير الفلسطينية المتدفقة من غزة والضفة إضافة إلى تظاهرات كبرى في الناصرة وحيفا. ويصبح اصطياد عناصر “الشاباك” سهلاً من قبل المتظاهرين وسط إرباك في القيادة الإسرائيلية. هذا كله يحصل وسط تقدم كبير لقوات النخبة في المقاومة من الجبهة الشمالية، مع إمطار المدن الفلسطينية المحتلة بالصواريخ من ثلاث جبهات. إنه سيناريو مرعب تحققه حتمية تاريخية في غقليم لا يُعرف مصيره، لا سيما وأن بن دافيد، يشير لانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وعدم تدخلها بتاتاً في هذه الحرب المفترضة، في مقابل دخول روسيا بحرب شاملة ضد إسرائيل بعد قصف الطائرات الإسرائيلية مراكز روسية في سوريا.

لعل ما يحصل الآن بداية لتوقعات بن دافيد. وتكمن خطورة هذه الرواية المشوقة إلى أنها تحمل في طياتها رسائل داخلية ومحاولة الإجابة عن سؤال يزعج مفكري الاحتلال: هل ستبقى إسرائيل؟ ولأن دافيد بن غوريون، قالها يوماً: إسرائيل تزول عندما يخسر الجيش أول معركة؛ يمكن تصديق هذه النبوءات. ولأن المفكر العبقري عبد الوهاب المسيري، أكدها قبل رحيله: إسرائيل تنتهي حين تُسحب عنها الشرعية الدولية وتفتقد للدعم الاميركي والغربي؛ تصبح هذه الرواية كابوساً يجب دراسته فلسطينياً قبل أي شيء.

وبالنسبة لما يجري، يمكن للمفاجآت الفلسطينية أن تتحول إلى حرب شوارع في مدن الداخل الفلسطيني مع اشتعال الضفة الغربية مع تمدد مقاومة غزة بشرياً عبر البر والبحر وبالصواريخ جواً. ما يمكن تأكيده أن بنيامين نتنياهو، لم يتوقع دعمه للمستوطنين والاستفزازات في الأقصى ستتحول إلى حرب يمكن أن تتوسع لتصبح حرباً شاملة وربما إقليمية.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً