أكثرية “سيادية” وهمية… و8 آذار بلا فائض قوة

محمد شمس الدين

انتهى الاستحقاق الدستوري الأول: نبيه بري رئيساً من الدورة الأولى، الياس بو صعب نائباً للرئيس من الدورة الثانية، اَلان عون أمين سر فائزاً على زياد حواط، وهادي أبو الحسن أمين سر ثان بالتزكية، وكذلك المفوضون الثلاثة: كريم كبارة، ميشال موسى وأغوب بقرادونيان.

وفي قراءة لمشهد الانتخاب في الجلسة يمكن القول ان من ادّعى أنه الأكثرية، واهم بمرتبة الخسارة، فقد فاز بري من الدورة الأولى، وعلى الرغم من أن 65 صوتاً هو أقل عدد يناله منذ توليه رئاسة المجلس، وهذا يعني أن 8 اَذار فقدت فائض القوة الذي كانت تملكه سابقاً، وربما لا يمكن حساب الأكثرية والأقلية فيها كونه المرشح الوحيد، إلا أن انتخاب نائب الرئيس، أكد من دون شك وهم الأكثرية التي أعلنها حزب “القوات” بعد الانتخابات النيابية، بحيث فاز بو صعب مقابل المرشح الذي دعمه غسان سكاف، وهذا يعد أول خسارة لـ”القوات” في أول جلسة نيابية، وكذلك خسر معه النواب التغييريون، الذين أعطوا أولوية للشعبوية على حساب المعركة الديموقراطية.

فقد كان واضحاً الاتجاه الشعبوي لنواب التغيير، الذين وصلوا إلى مجلس النواب بعد انطلاقهم من مرفأ بيروت، وداخل الجلسة كان كل همهم أن تتم تلاوة ما كتب في الأوراق الملغاة، التي كانت في غالبيتها “العدالة لشهداء المرفأ”، اضافة الى 4 أوراق كتب فيها “العدالة للقمان سليم”، تبين لاحقاً أن نواب “الكتائب” هم من اقترعوا بها، بينما صوّت نواب “القوات” بعبارة “الجمهورية القوية”، كمحاولة لتسجيل هدف على “التيار الوطني الحر”، الذي يسوّق منذ فترة عن صفقة بين “أمل” و”القوات”، فيما الأوراق البيضاء يبدو أنها في غالبيتها كانت من التيار، وبعض المستقلين مثل أسامة سعد. وعلى الرغم من كل هذا انتخب بري رئيساً من الدورة الأولى.

أما بوصعب الذي فاز في الدورة الثانية، فاعتبر البعض أن كتلة “التنمية والتحرير” وجهت رسالة الى “التيار الوطني الحر” بإعطائه الفوز من الدورة الثانية وليس الأولى، بسبب عدم تصويت التيار لبري بعدد كبير. بينما أكدت مصادر الكتلة أنها في الدورتين صبّت أصواتها لبوصعب كاملة، وأن الرئيس بري لا يعمل بمبدأ الكيدية، التي يمتهنها التيار. أما الخلاف الأكبر في الجلسة فحصل عند انتخاب أميني السر، بحيث احتدم النقاش لمدة ساعة تقريباً حول كيفية التصويت للمقعدين، في ظل وجود 5 مرشحين، وتحدث عدة نواب عن رأيهم في آلية الاقتراع، ولاسيما أن المقعدين هما عرفاً واحد للموارنة واَخر للدروز، ليتفق النواب في نهاية الأمر على التصويت لكل طائفة على حدة، الأمر الذي اعترض عليه النائب فراس حمدان، مشيراً الى أنه لم يترشح على مبدأ طائفي. وأعلن انسحابه وزميله ميشال الدويهي، مما استدعى رداً من النائب أبو الحسن، الذي اعتبر كلام حمدان شعبوياً، موضحاً أنه ترشح وفاز على مبدأ طائفي. وطالب النواب إما بالتوقف عن العراضات، أو فلتُنشأ الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس شيوخ، الأمر الذي أكد عليه الرئيس بري، مشيراً الى أنه يعمل على هذا الأمر منذ سنوات. وبعد انسحاب الدويهي انحصرت المواجهة بين اَلان عون وزياد حواط، ليفوز الأول، أما أبو الحسن فأصبح فائزاً بالتزكية، وكذلك المفوضون الثلاثة لغياب أي مرشحين منافسين. وبعد انتهاء الجلسة، أعلن الرئيس بري عن جلسة ستعقد الثلاثاء المقبل لانتخاب اللجان، وطالب النواب بالتوافق كي لا يتم الوقوع في الخلافات نفسها في جلسة الامس.

لا فائض قوة لأحد في مجلس النواب اليوم، ولا أكثرية للخط “السيادي” كما ادعى حزب “القوات”، وبالتالي الجميع مرغم على الذهاب إلى التوافق، وإلا إذا كانت كل جلسات مجلس النواب شبيهة بهذه الجلسة، فإن أصغر ملف، قد يستغرق أشهراً للبت به، وتحديداً الاستحقاق الأهم، أي تشكيل حكومة جديدة، التي تعود لبنان أن تأخذ أشهراً، بينما اليوم هي من يجب أن تدير الأزمة، وتحاول النهوض بالبلد. وبينما أكدت مصادر النواب التغييريين أن اللبنانيين يجب أن يعتادوا على هذا النوع من العملية الديموقراطية، أي تعدد الخيارات وانقسام الأصوات بينها، رأت مصادر الأحزاب التقليدية، أن الرؤوس حامية اليوم، والنواب التغييريين لن يكون التعامل معهم بهذه الصعوبة مستقبلاً، بعد أن يتفهموا وضع البلد الحساس، وإلا سيكون الحكم فعلياً لـ8 اَذار، التي تستطيع وقت الجد، أن تتفق في ما بينها وتؤمن تمرير مشاريعها، بعكس التشتت الذي يصيب القوى الأخرى.

شارك المقال