هل يكرر البرلمان الحالي تجربة الـ 89؟

عاصم عبد الرحمن

ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج، قولٌ لا شك ينطبق على المجلس النيابي المنتخب الذي بدأت ولايته منذ 22 أيار واستمرَّ بلا رئيس ونائبه وهيئة مكتبه مدة 10 أيام بفعل غياب الإنسجام السياسي بين أعضائه الجدد، فهل سيقتصر دوره على مهمة إقرار مندرجات تسوية منتظرة كحال مجلس العام 1989 الذي أقرَّ دستور الطائف؟

إنهيار مالي، شلل سياسي وفوضى إجتماعية، ثالوث ارتطامي يقابله برلمان ذو تعددية نيابية، تنوع حزبي وألوان سياسية مختلفة ارتسمت معها معالم المرحلة المقبلة ذات طبيعة مواجهاتية حتى قبل الجلوس تحت قبة المجلس النيابي وذلك لحظة صدور نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الجاري.

وعلى الرغم من تمكن قوى تغييرية ومستقلة من الظفر بعدد لا بأس به من المقاعد النيابية وكان بارزاً التبدل الواضح في المزاج المسيحي، إلا أن المقاعد الثورية والمستقلة غير كافية لإحداث التغييرات التشريعية والدستورية والسياسية المطلوبة من القوى التغييرية الجديدة، حالٌ إنما ينذر باستمرار الشلل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويُرجح أن ينسحب على القطاعات اللبنانية كافة حتى سنين طوال.

إن انتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي لولاية سابعة لا يعدو كونه تفصيلاً سياسياً عابراً أمام أزمة حكومية منتظرة تنطلق فصولها مع تحديد موعد للإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للوزراء والذي سيواجه المشكلات القديمة الجديدة نفسها نوجزها بالآتي:

– عدم الاتفاق على شكل الحكومة وعدد أعضائها وطبيعة دورها وبرنامج عملها وتحديد الكتل والأحزاب المشاركة فيها.

– إصرار جبران باسيل على الدخول إلى الحكومة بشخصه وحصوله على الثلث المعطل ليخوض عبره معركة رئاسة الجمهورية، وهو كان قد ودع صيغة التكنوقراط الحكومية عشية فوزه في الانتخابات النيابية.

– مشاركة “حزب الله” في الحكومة على وقع تصنيفه من الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً، وبالتالي رفض العرب مساعدة لبنان إثر جلوسه على مقاعد مجلس الوزراء.

وإذا كان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إقرار “الكابيتال كونترول”، إعادة الثقة إلى القطاع المالي، تثبيت سعر صرف الليرة، تحديد مصير ودائع اللبنانيين، قضية سلاح “حزب الله” وكيفية مواجهته ومن ثم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية ليدخل قصر بعبدا بتاريخ 31 تشرين الأول 2022 وهو أمر لا شك مستبعد، هي أبرز التحديات التي تنتظر مجلساً نيابياً يفتقر إلى أدنى مقومات التوافق السياسي حتى داخل معظم الكتل الواحدة وحلفاء الخط الاستراتيجي نفسه، فهل سيكون البرلمان الحالي مجلساً تشريعياً أم منصة تفجيرية للخلافات والاختلافات بين اللبنانيين على السواء؟

جمودٌ برلماني، فراغٌ حكومي وشغورٌ رئاسي شبه مؤكد وسط غليان الإنهيار الكبير الذي يُتوقع أن يرافق اللبنانيين في القادم من الأيام حيث سيكون العجز الشامل سيد المواقف كافة. أمام هذه المشهدية يعود إلى أذهان اللبنانيين دور المجلس النيابي الخارج من الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975 والذي اجتمع بمَنْ تبقى من أعضائه في قاعدة القليعات الجوية في عكار حيث أقرَّ التعديلات الدستورية التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني ثم انتخب الرئيس رينيه معوض الذي اغتيل لاحقاً ليقع الخيار على الياس الهراوي ويتمَّ انتخابه رئيساً للجمهورية عام 1989.

في هذا السياق، يرى مراقبون أن مهمة وحيدة قد تكون بانتظار المجلس النيابي الحالي هي عقد جلسة استثنائية يقرُّ بموجبها تعديلات دستورية مرتقبة تصب في خانة فكفكة العقد التي اعترت تطبيق دستور الطائف ضمن تسوية دولية يُعمل عليها داخل أروقة المجتمع الدولي الذي لا يزال مهتماً بالقضية اللبنانية حتى حينه ليُصار على الأثر إلى إطلاق عجلة الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري.

هكذا إذاً يثبت اللبنانيون عند كل استحقاق مصيري فشلاً ذريعاً في حكم أنفسهم، فلم يُبنَ حلٌّ سياسي إلا فوق صفيح ساخن كاغتيال رفيق الحريري والخروج السوري، أحداث 7 أيار واتفاق الدوحة وغير ذلك، فهل يأتي الارتطام الكبير بتحقيق التغيير فوق أجنحة مَنْ اعتدنا أن يرسم لنا المصير؟

شارك المقال