لبنان وفلسطين وما بينهما!

رامي الريّس

إذا كان ثمة تخوّف من إنعكاساتٍ محتملة للتطورات الإقليميّة الملتهبة على الساحة اللبنانيّة، فهو تخوّف مشروع، ليس لأن لبنان غير معني بالقضيّة المركزية، قضيّة فلسطين، بل على العكس هو من المعنيين الأساسيين بها كونه يرفع تاريخيّاً شعارات الحريّة والسيادة والاستقلال ويسعى نحوها؛ بل لأنه من الضروري ألا تنعكس هذه التطورات على واقعه الداخلي بهدف تحويله مجدداً ساحة لتصفية الصراعات الخارجيّة أو بعث الرسائل المتبادلة بين الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط والمنطقة العربيّة.

لطالما عانى لبنان من تلاعب الأطراف الإقليميّة بساحاته المشرّعة وأبوابه المفتوحة التي إستساغت تفجير نزاعاتها المسلحة عبر القوى المحليّة. هذه الحال إستمرت على مدى 15 عاماً متواصلاً ولم تنته إلا عند نضوج القرار الدولي- الإقليمي بوقف الحرب الأهليّة وإسكات المدفع. أن غياب التفاهم المحلي على الثوابت الوطنيّة والاستراتيجيّة يجعل من إمكانيّة السقوط مجدداً في أفخاخ الحرب الداخليّة خياراً وارداً لا سيّما عندما تربط قوى معيّنة كل منظومتها وأدائها وسلوكياتها بأجندات خارجيّة غالباً ما تكون على طرفي نقيض مع المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة العليا (وهي بدورها تعاني من إلتباسات متعددة).

لا يمكن لأي عربي عاقل أن يقبل ما يجري في فلسطين. الاحتلال الإسرائيلي هو الاحتلال الأخير من نوعه في العالم. لم يعد هناك دول مستعمرة أو قابعة تحت الاحتلال كما هي فلسطين. لقد أن الأوان للاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني: الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وقف التوسع الاستيطاني غير الشرعي، عودة اللاجئين إلى أرضهم، وإنجاز الحل النهائي بما يؤدي إلى السلام وإنهاء النزاع الذي دام لعقود.

ولا يمكن لأي دولة تدّعي أنها تؤيد حقوق الإنسان وترفع شعاراتها ألا تدعم الشعب الفلسطيني في نضاله الطويل والمضني لإعادة تصحيح التاريخ الذي تم تزويره من قبل الاحتلال وتم تكريسه من خلال تغيير الوقائع الميدانيّة والديموغرافيّة في القدس والمدن الفلسطينيّة الأخرى. إلا أنها مصالح الدول الكبرى التي قلما تعير اهتماماً للشعارات التي ترفعها أو توهم الرأي العام العالمي أنها تسعى حقاً في سبيلها.

ولكن، بمعزل عن كل الثوابت المشار إليها أعلاه، ثمة خيط رفيع بين لبنان وفلسطين لا بد من مراعاته. والسؤال الجوهري هو: كيف نستعيد فلسطين دون أن ندمر لبنان؟ وكيف يمكن للبنان واللبنانيين أن يدعموا فلسطين دون إسقاط لبنان مجدداً تحت نيران الحقد الإسرائيلي الذي لم يتوانَ يوماً في حروبه المتتالية ضد لبنان عن تفريغ حقد اسرائيل التاريخي ضده، وضد صيغته وخصوصيته في التعددية والتنوع؟

لا شك أن الصراع المتفجر في القدس وغزة وسائر أنحاء فلسطين المحتلة سيعيد خلط الأوراق بشكل كبير وسيعيد قضية فلسطين إلى الواجهة بعد أن حولها الزمن إلى قضيّة منسيّة إلا في بيانات الشجب والاستنكار والإدانة (وحتى هذه لم تعد مسموعة جداً في هذه الأيام السوداء).

ثمة حاجة جوهريّة لإعادة الاعتبار لدور لبنان المفقود على الصعيد العربي. إنه الوعاء الذي يرتاح فيه لبنان دون أن يشعر بغربة كتلك التي يعيشها اليوم عندما يجد نفسه في موقع بعيد عن تراثه وتاريخه ورسالته. دور لا يجيده ولا ينجح به. دور لا يرغب به ولا يريده. إعادة لبنان إلى قلب العرب وإعادة العرب إلى قلب لبنان لا يفيد حصراً قضية فلسطين، بل يفيد أولاً لبنان واللبنانيين بعيداً عن حسابات البعض ومصالحهم الفئويّة والخاصة.

في الانتظار، لم يبق سوى الدعاء للتلطّف بأبناء فلسطين ولبنان والعراق وسوريا… والعالم أجمعين!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً