الشراونة… حي “العنتريات” وملجأ الطفار

آية المصري
آية المصري

“حي الشراونة” أخباره كانت ولا تزال تتصدر عناوين نشرات الأخبار المحلية والدولية، ويثير الكثير من القلق عند معظم المواطنين المقيمين فيه أو خارجه نظراً الى الأحداث والمشكلات التي تحصل يومياً فيه. وباتت وسائل الاعلام تعتبره مادة دسمة نظراً الى مداهمات الجيش المستمرة للمطلوبين والاشكالات مع الجهات الأمنية.

عند مدخل مدينة بعلبك الشمالي تقع منطقة الشراونة وتحدها مناطق عدة كالكيال وإيعات ودار الواسعة مسقط رأس آل جعفر. وفي الخمسينيات كان الأهالي يضطرون الى تسجيل أولادهم في مدارس بعلبك، وكانت وسائل النقل شبه معدومة وتقتصر على الدواب ما دفع العديد منهم الى إستئجار غرف لهم ولأولادهم في حي آل صلح، وسرعان ما تحولت الفكرة الى مشروع بناء منازل على أراض لا يملكونها وليست من حقهم الشرعي، على أطراف المدينة في الحي المعروف اليوم بـ”الشراونة”، والذي إلتصق بإسم “الجعافرة” حصراً على الرغم من التبدلات الديموغرافية المتعددة والتي استدعت قدوم العديد من العائلات الأخرى.

كما اشتهرت الشراونة منذ القدم بالأراضي الزراعية الواسعة والشاسعة، والتي تعود لعائلات مسيحية كانت تستوطن فيها وغادرتها الى بلاد الاغتراب ومعظمها قصد الأرجنتين والبرازيل، ومن بين هذه العائلات: آل راشد، آل سركيس، آل معلوف وآل قصيص… وبمرور السنوات وبروز أجيال جديدة بدأ آل جعفر وآل زعيتر وآل أمهز وآل دندش يتكاثر عددهم في الشراونة نتيجة نزوحهم اليها من أجل تحسين سبل عيشهم ولقرب المنطقة من مدينة بعلبك وأسواقها، وباتوا يسيطرون على كل أرجاء الحي من خلال وضع أيديهم على الأراضي وإبرام إتفاقات مع المخاتير بشأن الأراضي التي بنوا عليها بيوتهم ومحالهم. ومن المؤكد أن هذه العائلات لم تقم بشراء الأراضي والعقارات من مالكيها الأصليين، لذا، فان إمكان إخراجهم اليوم منها بات شبه مستحيل نظراً الى قوة سلاحهم وسيطرتهم.

وعلى الرغم من إلتصاقهم القريب ببعلبك الا أن أوضاعهم الاقتصادية كانت سيئة في بداية الأمر، ومعظمهم كان يعتمد على بيع المحاصيل الزراعية، ولكن بمرور الوقت بدأت الحركة الاقتصادية تنشط لديهم وتتضح معالم توسعهم الكبير من حيث النفوذ والتأثير والسيطرة. كما بدأ أبناء العائلة الواحدة بتأسيس العديد من المراكز والمحال التجارية التي كانت تعد تمويهاً لتجارة الممنوعات.

بالعودة الى السنوات الماضية أي قبل ما يقارب الـ 15 عاماً، كان هذا الحي مزدهراً بمحاله التجارية ومعروفاً بهدوئه، لكن نزوح الخارجين عن القانون بتلك الأعداد الهائلة جعلته يتراجع بشكل متواصل، وتبدلت الأوضاع فيه وفضّل العديد من العائلات غير التابعة للعشائر ترك منازله نتيجة الوضع الأمني السيء. وبات أبناء المنطقة الجديدة يهددون إستقرارها وسرعان ما تحوّلت الشراونة الى ملجأ لكل الطفار.

الخطف مقابل فدية، السلب، التصدي بالسلاح للدوريات العسكرية والأمنية، الثأر، تصنيع المخدرات على أنواعها وترويجها وتهريبها على إمتداد المناطق اللبنانية كافة، والجهوزية التامة للقتل في حال التعرض لأحد من المنطقة… عناوين لأبرز نشاطات أبناء تلك العائلات، ما جعل بيئة الشروانة بهذه “العنتريات” تكتسب شهرتها الجديدة. اضافة الى أنه عند “تشليح” أي نوع من السيارات لم تعد تجدها في “بريتال” كالسابق بل في الشراونة نتيجة الخطوط والقنوات السريعة المفتوحة حديثاً مع سوريا.

ومن الصعب أن ترى مدرسة أو معهداً في الشراونة، باستثناء الجامعة الإسلامية على طريق الكيال قبل الوصول الى المنطقة بخمس دقائق، وبالتالي لم يتغير مصير الطالب الذي لا يزال يقصد مدينة بعلبك بهدف تحصيل علمه، ما جعل البيئة تشتد خصوبة ويكون شبابها على إستعداد دائم للقتال متى سنحت له الفرصة. هؤلاء الأهالي والشباب قرروا أن يتبعوا أحزاب المنطقة الممثلة بالثنائي كي تؤمن لهم غطاء سياساً يحميهم من المحاسبة ودخول السجن، اذ بات معظم الشباب مطلوباً للعدالة ومسطراً بحقه مذكرات جلب. وما جعل هذه الأحزاب تسيطر عليهم أكثر، ما يثار من أقاويل عن أنها تطلب منهم إفتعال مشكلات معينة وفي أوقات محددة بهدف تمرير صفقات، ولكن لا يمكن الجزم بأي معلومة من هذا النوع. كل هذا ساهم في إضعاف صورة الدولة في بعلبك – الهرمل وتقليص هيبة أجهزتها الأمنية والعسكرية، وبات مسلسل إستشهاد العسكريين يتكرر في كل مداهمة ودماء أبناء المؤسسات العسكرية سهلة المنال.

أبناء هذه المنطقة لم يقرروا مصيرهم، وربما لو قدمت لهم فرصة لبناء مستقبل جديد وأفضل فلن يترددوا لحظة. ولكن هذه البيئة الموبوءة حولت مدينة الشمس الى مدينة الظلام والدماء، فمتى سينتهي هذا السيناريو؟ ومتى ستعود الأحياء الى ما كانت عليه؟

شارك المقال