“تعويم” جبران ولو على حساب لبنان

صلاح تقي الدين

غريب أمر هذا العهد القوي كيف أنه على الرغم من كل الأزمات المتفاقمة التي تسبب بها، وعلى الرغم من أنه أصبح قاب قوسين من لفظ أنفاسه الأخيرة، لا يزال يناور ويعاند لهدف واحد وهو تعويم الصهر المعجزة وتأمين استمراريته.

فلا مشكلة الكهرباء التي كلّفت 40 مليار دولار والنزف المستمر بسببها، ولا انهيار الليرة وأزمة المحروقات والمعاناة الصحية وفقدان الدواء، ولا الأزمة التي افتعلها جبران مع أشقاء لبنان العرب وتهم الفساد التي كلفته عقوبات أميركية، تشعر رئيس الجمهورية بالاحراج بل يصمم على عدم مغادرة قصر بعبدا قبل ضمان المستقبل السياسي لصهره.

واليوم، عشية الاستحقاق الحكومي، نرى فخامة الرئيس وهو يستمهل في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، ويرى البعض أن السبب في ذلك يعود إلى النغمة القديمة الجديدة: التأليف قبل التكليف، في حين أن حجة قصر بعبدا هي الانشغال باستقبال الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للبحث في مسألة ترسيم الحدود البحرية للخروج من المأزق الذي أوجده بنفسه عندما شدّد على الخط 29 ثم تراجع عنه ورفض توقيع المرسوم 6433 لتعديل الحدود البحرية، ثم زاد الطين بلة الصهر الميمون عندما غرّد: “لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا” كما لو أنه يعترف بأن “كاريش” هو ملك العدو.

لن ندخل في هذا المجال بالحديث عن صفقات أو ترتيبات من تحت الطاولة لارضاء الأميركيين كورقة يستخدمها بهدف رفع العقوبات عنه، غير أن مواقف باسيل من الحكومة العتيدة هي ما يثير الاستغراب والدهشة، لا بل والريبة أيضاً. فوفقاً للتسريبات المنقولة عنه تشديده على الاحتفاظ بحقيبة وزارة الطاقة في الحكومة الجديدة ربما لاستكمال الانجازات (يا عيب الشوم) التي حققها في وزارة الطاقة شخصياً أو عبر موظفيه ومستشاريه الذين توالوا على الوزارة بعد خروجه منها.

والأغرب أيضاً التسريب الذي زعم فيه تشديده على الحصول على حقيبة وزارة الخارجية شخصياً وهو الذي خلال عهده الميمون في تلك الوزارة تسبب بأسوأ العلاقات مع محيط لبنان العربي الطبيعي، وبابتعاد دول الخليج عن لبنان، لكن لعله كان ينفّذ بمواقفه أوامر مشغله وولي نعمته “حزب الله” ويريد الآن استكمال هذه الخطة.

في حقيبة وزارة الطاقة، لعل باسيل لم يرتو مما جناه في صفقات البواخر والشركات المشغلة، فيضع نصب عينيه اليوم الافادة من التلزيمات المستقبلية في آبار النفط والغاز وإعادة تأهيل وتشغيل شبكة الكهرباء التي ستؤول عاجلاً أم آجلاً إلى مستثمرين أجانب سبق أن تقدموا بعروض لإعادة إنقاذ ما خرّبته يد باسيل وفريقه في وزارة الطاقة.

أما في وزارة الخارجية، فربما يحق لباسيل أن يحلم، وهذا أمر جائز في السياسة، أنه سيستطيع ترميم ما خرّبته يداه من علاقات لبنان الخارجية وتحديداً مع دول الخليج العربي لكي يتمكن عندها من تقديم ورقة تساهم في حل مشكلة العقوبات المفروضة عليه أميركياً، لكن هل حقاً هذا ما ينوي باسيل فعله، أم أنه يريد الاستمرار في تنفيذ سياسة “حزب الله” وجرّ لبنان عميقاً في سياسة محور الممانعة؟

فيما تسود مخاوف من أن يقع لبنان في محظور عدم إجراء انتخابات رئاسية، وستكون الحكومة العتيدة في نهاية العهد القوي حكومة تصريف أعمال، ربما هذا ما دفع باسيل إلى إعلان رغبته بوضوح في تشكيل حكومة سياسية وأن يتولى فيها شخصياً منصباً وزارياً، وهذا الأمر يعيد إلى الأذهان شروط جبران وعمه على تمام سلام، الرئيس الملكلف قبل نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، والجملة الشهيرة “كرمال عيون الجنرال عمرها ما تتشكل حكومة”، ثم فصاحة جبران نفسه عندما قال بعدما أصبحت حكومة الرئيس سلام حكومة تصريف الأعمال بما فيها الرئاسية: “هيدي حكومة 24 رئيس” في إشارة إلى الفيتو الذي صار ممنوحاً لكل وزير وقدرته بذلك على التعطيل. فهل هذا ما يسعى إليه جبران لضمان أن يكون له حق الفيتو في نهاية عهد عمه؟

أعان الله رئيس الحكومة الذي سيصار إلى تكليفه أياً كان اسمه وأياً تكن مواصفاته، على شروط جبران و”سلبطته” على البلاد والعباد. لكن هل تستحق مسألة إعادة تعويمه أن يكون ذلك على حساب لبنان الذي يُجمع كل المراقبين على أنه سيواجه أوضاعاً صعبة جداً في المرحلة القريبة المقبلة؟

حمى الله لبنان من جبران وشروره.

شارك المقال