اسرائيل – ايران… الإصبع على الزناد!

أنطوني جعجع

لم يصل التوتر الاسرائيلي – الايراني الى هذا الحد من الخطورة، منذ اندلاع الثورة الاسلامية في العام ١٩٧٩، ولم تكن طهران في هذه الحال من التخبط والتشنج كما هي حالها الآن، ولم تكن تل أبيب في هذه الحال من القلق والاستنفار كما هي حالها الآن…

كل شيء تقريباً، يشير الى أن البلدين يتجهان نحو مواجهة محتملة لا حكم فيها ولا ضابط ايقاع، خصوصاً أن ما يجري في أوكرانيا، وما يجري في بحر الصين وجزيرة تايوان، إضافة الى تحديات كوريا الشمالية، أخذت صانعي القرار في العالم الى مكان آخر، وأفسحت في المجال أمام كل من ايران واسرائيل لتصفية حساباتهما بأي طريقة ممكنة وعلى أي جبهة ممكنة.

والواقع أن ايران وصلت الى اقتناع شبه مطلق بأن فك العقوبات ليس مرتبطاً بوقف البرنامج النووي وحسب، بل بملفات كثيرة تعني كل أوراقها الثمينة من اليمن الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا وغزة، وهو ثمن لا تستطيع ولا ترغب في سداده، معتبرة أن ذلك سيعني عملياً اعادة “الثورة الاسلامية” الى قم وتركها هناك.

والواقع أيضاً أن المسؤولين الايرانيين قرروا اللعب على حافة الهاوية ووضع أميركا والغرب واسرائيل أمام واحد من خيارين: اما القبول بوقف البرنامج النووي فقط في مقابل فك العقوبات، واما لا شيء على الاطلاق حتى لو أدى ذلك الى حرب يعتقد المسؤولون الايرانيون أنها الورقة الأخيرة في سبحة خياراتها الاستراتيجية، والعامل الوحيد الذي يمكن أن يعيد خلط الأوراق ويأخذ المنطقة الى واقع جديد ومتحرك.

اسرائيل من جهتها تلقفت الرسائل الايرانية، وأبلغت من يعنيه الأمر أن إصبعها على الزناد، ولن تتردد في الذهاب بعيداً في أي مغامرة عسكرية لمنع ايران من التحول الى قوة نووية، سواء وافقت أميركا أو اعترضت، مشيرة إلى أنها لن تنتظر اللحظة التي يمكن أن تجعلها الدولة التي تتلقى الضربة النووية الأولى بعد الحرب العالمية الثانية.

وليست زيارة رئيس وزراء اسرائيل نفتالي بينيت الى دولة الامارات العربية المتحدة أخيراً، الا محاولة من تل أبيب لوضع “دول التطبيع” العربي في جو ما تخطط له في مواجهة ايران، وليست عمليات الاغتيال التي تطاول ضباطاً كباراً في الفريق الأمني الاحترافي في طهران، الا محاولة من نوع آخر لتأكيد قدرة اسرائيل على الضرب في عمق ايران.

لكن الرسالة الأشد وقعاً كانت في قصف مطار دمشق الدولي وليس محيطه كما جرت العادة في غارات سابقة، وسحبه من دائرة العمل في خطوة استهدفت وقف شحنات الأسلحة الايرانية التي تحط فيه لمصلحة “حزب الله”، وقاعة الاستقبالات التي يجتمع فيها عادة مسؤولون ايرانيون وآخرون من “حزب الله”.

وهنا لا بد من سؤال بديهي: أي نوع من الأسلحة استهدفت اسرائيل؟ ومن استهدفت في قصف قاعة الاستقبالات؟ وهل كانت تملك معلومات عن اجتماع على مستوى أسماء كبيرة من كل من طهران والضاحية الجنوبية؟

سؤال لم يلق حتى الساعة أي جواب حاسم، لكن جواباً من نوع آخر جاء من خلال قصف ايراني لمنطقة أربيل العراقية مستهدفاً، وفق تقارير من طهران، مركزاً للاستخبارات الاسرائيلية، إضافة الى إحباط عملية أمنية ايرانية كانت تستهدف أهدافاً اسرائيلية في تركيا، وتحرشات مقصودة ومشبوهة بعناصر القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان.

ولا يمكن، وفق مراقبين محليين واقليميين، فصل الخلاف المستجد على الحدود البحرية مع لبنان، عن التحديات الاسرائيلية – الايرانية، إذ لم يكن من باب المصادفة أن تقرر اسرائيل اطلاق عمليات استخراج الغاز من حقل “كاريش” على الرغم من تهديدات “حزب الله”، ولم يكن من باب المصادفة أيضاً أن يأتي هذا التحدي في وقت تجد ايران نفسها في مواجهة مفاوضات متوقفة في فيينا، وفي مواجهة تقارير سلبية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتعلق بنشاطها النووي المقلق والمتسارع، وفي مواجهة هجمة عالمية على موارد الغاز والنفط في أي مكان من العالم، ولو أدى ذلك الى ما يشبه الغزوات والفتوحات.

وهنا لا بد من سؤال آخر، ماذا يحمل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى المسؤولين اللبنانيبن الذين وجدوا أنفسهم أمام استحقاق لم يكن في حسابات المدى المنظور، وهو استحقاق يخيّرهم بين حرب مدمرة قد لا تنتهي كما انتهت “حرب تموز” أي بقرار دولي على غرار القرار ١٧٠١، وبين حل ليس على قدر الطموحات الاقتصادية والخطوط السيادية.

ويعرف المسؤولون اللبنانيون ومعهم أركان “حزب الله”، أن الحدود البحرية ليست شبعا، ولا يرتبط مصيرها بقرار دمشق لجهة الملكية التي تقرر هويتها الحقيقية، بل ترتبط بقرار لبناني محض لا يقبل البقاء في المنطقة الرمادية التي تسمح لـ “حزب الله” بالابقاء على سلاحه، وجعل هذا الملف ورقة ضغط لحمل أميركا على فك الحظر عن أعمال الحفر والاستخراج من الحقول اللبنانية العشرة، وهو ما لمح اليه حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة.

الجواب عن كل هذه التساؤلات لن يأتي في ما يبدو قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى كل من السعودية واسرائيل آخر الشهر الجاري، وهي الزيارة التي تبحث في الرياض في أمور الطاقة والأمن في اليمن، وفي ملف البرنامج النووي الايراني وسبل مواجهته، وتبحث في تل أبيب في واحد من خيارين: اما الذهاب معاً في عمل مشترك ضد مصادر الخطر الايراني حيثما وجد، وضد أي محاولة لعرقلة تدفق الغاز نحو أوروبا، واما اطلاق يد اسرائيل في كل ما تراه حتمياً في مواجهة ترسانة “حزب الله” والقنبلة النووية الايرانية.

هذا في المشهد الأميركي – الاسرائيلي، فماذا في المشهد الايراني وخطط “حزب الله”؟

هل ينتظران “انتصاراً” روسياً يعتد به في أوكرانيا يعيد التوازن الى اللعبة الدولية، أم يذهبا منفردين الى مواجهة لا يريان بديلاً لها؟

في الانتظار إصبع الطرفين على الزناد، فمن يطلق الطلقة الأولى؟

شارك المقال