4 أشهر حاسمة أمام لبنان… والرؤوس اقتربت من سطح المياه

ليندا مشلب
ليندا مشلب

كان يفترض أن يبدأ تنفيذ برنامج الاتفاق مع صندوق النقد الدولي منذ أول شهر حزيران الحالي ٢٠٢٢ الى شهر حزيران ٢٠٢٦. وكي يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ يحتاج إلى موافقة صندوق النقد، وكي يوافق عليه الأخير يجب أن ينجز لبنان الشروط المسبقة prior conditions، وعددها عشرة، ٤ منها قوانين تصدر عن مجلس النواب هي موازنة الـ٢٠٢٢، قانون “الكابيتال كونترول”، تعديل وتحديث قانون السرية المصرفية، وقانون إطار إعادة هيكلة المصارف الذي يسمح بدمج المصارف والتعويض على المودعين. هناك ٣ قوانين منها أرسلتها الحكومة كمشاريع قوانين وبقي قانون هيكلة المصارف الذي يفترض، وبعد تعذر الحكومة إرساله، أن يتقدم به نائب أو عشرة نواب كاقتراح قانون ليأخذ صفة المعجل المكرر.

أما البرنامج الذي يتضمن خمسة محاور وهي ركائز المالية العامة والسياسة النقدية والقطاع المصرفي والاصلاحات الهيكلية والحوكمة، فتمت برمجة تنفيذه على أربع سنوات، مع ٢٨ معياراً هيكلياً (structural benchmarks) ملحوظاً مع تاريخ التنفيذ الذي يجب الالتزام به وما اذا كان المعيار كمياً أو نوعياً، والمعيار ليس المليارات، مثلاً في حزيران ٢٠٢٣، يجب أن يكون معدل الدين العام الى الناتج المحلي قد انخفض ١٠ بالمئة، وكل ٣ أشهر يتابع موظفو صندوق النقد تقدم هذا البرنامج، وكلما لمسوا التزاماً بهذه المعايير يعملون على تحرير جزء من مبلغ الـ٣ مليارات دولار المخصصة للبنان. هذا ما جرى الاتفاق عليه عندما زار وفد صندوق النقد بيروت قبل الانتخابات ووقع اتفاقية على مستوى الموظفين(staff level agreement) ، اما الآن فقد دخلت الحكومة في حالة تصريف الأعمال وانهمكت البلاد بالسفينة اليونانية ومسألة التنقيب والترسيم، ومجلس النواب يستعد للإقلاع وسط تشكيك بإمكان انجازه القوانين المطلوبة مع هذه الخلطة السياسية التي تتجاوز معادلة السلطة والمعارضة الى صورة مجلس بمجالس كثيرة، فكيف سيتمكن لبنان من إتمام ما عليه كي تبدأ رحلة الانقاذ؟

تقول مصادر السرايا لـ “لبنان الكبير”: “ان الشروط الستة المتبقية من العشرة هي من مسؤولية السلطات التنفيذية والنقدية والرقابية، ٣ منها صدرت في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء حيث تمت الموافقة على الخطة بعد تجزئتها الى اجراءين، خطة التعافي والنهوض وخطة التعافي الماليcabinet approval of the bank strategy، والتي لها علاقة مباشرة بالمصارف وأموال المودعين، بحيث تضمن هذه الخطة عودة ٩٠ بالمئة من الحسابات بعد هيكلة المصارف ودمجها حسب مستوى رؤوس أموالها. وحتى يقرر ذلك يجب أن يصدر قانون يحدد الأصول التي سيصار على أساسها الى إعادة النهوض بالقطاع المصرفي، لأنه خلال السنوات الثلاث الماضية المصارف لم تتصرف كمصارف، بل atm machines لا أكثر. كما أن الحكومة التزمت بخطة الكهرباء التي تدخل بصورة أساسية في سلة الاصلاحات، وبقيت ٣ شروط هي الانتهاء من التدقيق المالي للموجودات الخارجية لمصرف لبنان، الذي تقوم به شركة الـ KPMG ويفترض أن تنتهي منه نهاية هذا الشهر، وهناك قرار توحيد الصرف الذي يتمكن المصرف المركزي من القيام به من دون الحاجة إلى العودة للحكومة، وآخر الشروط المسبقة هي البدء بالمحادثات مع حاملي السندات التي تخلفنا عن سدادها منذ سنتين ونيف، وهذا الأمر تستطيع القيام به وزارة المالية مع مصرف لبنان. اذاً لا مشكلة في التفاوض مع صندوق النقد في ظل حكومة تصريف أعمال ولو بقيت لآخر الدهر، فهي أنجزت كل ما عليها قبل أن تنتهي صلاحيتها، والسرايا بريئة من دم هذا الصديق”.

وتضيف المصادر: “لم يعد لدينا أي خيار آخر، لدينا مجلس جديد دخلت عليه قوى تغييرية من المفترض أن تساهم في انطلاق القاطرة وليس العكس. وهذه الكتلة النيابية طلبت موعداً من السرايا للاستفسار عن خطة التعافي والبرنامج، وهي بادرة مشجعة اذا صدقت النوايا. لا طريق أخرى أمامنا سوى هذا الدرب، لا يسار ولا يمين ولا فوق ولا تحت، هذا هو الدرب الوحيد وقد وضعنا أسسه”.

وتعطي المصادر توصيفاً للحالة القائمة بقولها: “اللبنانيون قادة وشعباً كانوا على باخرة في بحر هائج، تحطمت الباخرة فسقطوا منها وبدأوا يسبحون في هذا البحر الهائج ورؤوسهم فوق المياه، لكن تدريجياً يشعرون بالتعب وبدأت الرؤوس تنزل تحت المياه، لذلك يجب أن نبرم هذا الاتفاق خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر والا سيسقط ضحايا بالتوصيف نفسه أي سنبدأ بالغرق، فيجب أن يعلم الجميع أنه خلال هذه المدة اذا لم نعط إشارات جدية فربما سنكون عاجزين عن تأمين الخبز”.

وتسأل المصادر: “هل يعلم اللبنانيون أننا نستخدم الآن ١٥٠ مليون دولار من البنك الدولي emergency food assistance، وليس مساعدات للتنمية أي أننا أصبحنا من البلدان الفقيرة والمتسولة ونصرف حالياً ٢٥ مليون دولار يومياً في استنزاف واضح لما تبقى من أموال المودعين؟”، مشيرة الى أن “كل يوم يمر من دون اتفاق يقلص ما يمكن اعادته من أموال الى المودعين، صغاراً وكباراً، والخوف ليس من العنف انما من الفوضى وتفتت المجتمع حيث سيصبح (حارة كل مين ايدو إلو)”.

وتلفت الى أن “الصندوق عيّن الآن ممثلاً خاصاً له في لبنان، والفرنسيون يواكبون ما نقوم به، لكن إذا استمرينا في سياسة المماطلة والتخبط، فسنهدر كل الفرص وسنعمّق سياسة إدارة الظهر لنا، وأمامنا فرصة أخيرة اذا لم نلتقطها فعلى لبنان السلام، وهذا ليس كلاماً تهويلياً فنحن نعيش يومياً هذه الأزمة التي تتعمق، وأعمدة الهيكل تتآكل وتتفكك مفاصلها ولا نعلم متى تهبط فوق رؤوسنا اذا لم يصر الى تدعيمها فوراً”، مشددة على وجوب “فصل هذا الأمر عن الاستحقاقات السياسية التي ستزيد بالتأكيد الشرخ والكباش السياسي، فلا نعمّق السكين بالجرح، وعلينا التنبه جيداً، لأن الطريق سيصل الى آخره في النهاية، وما سار منذ ثلاث سنوات وسنتين وسنة لن يبقى الى نهاية هذا العام”.

شارك المقال