“إندبندنت”: التصعيد بين إسرائيل وغزة قد يغيّر قواعد اللعبة العالمية

حسناء بو حرفوش

رأت صحيفة “اندبندنت” البريطانية في مقال أن تصاعد وتيرة الأحداث بين إسرائيل واالقوى الفلسطينية ستفرض تغييراً في قواعد اللعبة على مستوى العالمين العربي والغربي. ورأت أن القوى العالمية التي سعت لتجاهل الشرق الأوسط ستجد نفسها مجبرة على التحرك بعد صمتها لصالح التطبيع مع إسرائيل. وفي ما يأتي ترجمة للمقال.

“قد يعرقل تصاعد حدة الصراع بين إسرائيل وغزة خطط بعض الدول التي تهدف لوضع الشرق الأوسط في الخلفية الدبلوماسية، وقد يغير النزاع المسلح الذي ازداد شراسة واتسع نطاقاً بشكل أسرع بكثير مما هو متوقع، من حسابات القوى الإقليمية والعالمية المتلهفة لتجاهل الأزمة المستمرة منذ فترة طويلة. فقد تأججت المشاعر في جميع بقاع العالم بعد التقاط كل التفاصيل المروعة للتصعيد على كاميرات الهواتف المحمولة وبثها على شاشات التلفزة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتتزامن هذه الأحداث مع سعي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإبعاد بلاده عن الشرق الأوسط والتركيز على تحدياتها الداخلية وعلى منطقة الشرق الأقصى. كما تتزامن مع تحويل أوروبا والمملكة المتحدة تركيزهما على التعافي من جائحة كورونا والتصدي لطموحات روسيا واستعادة الاتفاق النووي الإيراني. وفي الوقت عينه، كانت الدول الثرية في شبه الجزيرة العربية قد شرعت منذ زمن بعيد، بالتقليل من أهمية القضية الفلسطينية. وفي العام الماضي، وقعت الإمارات والبحرين اتفاقاً مع إسرائيل، في ظل الجهود التي بذلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لإقناعهما. بدوره، وقّع المغرب والسودان على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل لافتتاح حقبة جديدة من التعاون. لكن، من شأن العنف الطائفي والتصعيد في النزاع المسلح إحباط أي آمال بتجاهل الوضع في الشرق الأوسط.

وبحسب مايكل ستيفنز، المحلل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: “يظهر أنك كلما حاولت تجاهل الشرق الأوسط، ينجح في إعادتك إلى فلكه”. لقد بلغ الصراع درجة لا يمكن تجاهلها. وحتى الآن، لم يؤد تصاعد العنف إلى تداعيات دبلوماسية فورية. وأدانت المملكة العربية السعودية وجميع دول شبه الجزيرة العربية الخمس الأخرى التي تشكل مجلس التعاون الخليجي الثري على غرار بقية العالم العربي والدول ذات الأغلبية المسلمة مثل تركيا وإيران، محاولة المستوطنين الإسرائيليين الاستيلاء على الممتلكات الفلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية واجتياح قوات الاحتلال للمسجد الأقصى أثناء أداء الصلاة.

وعلى الرغم من أن احتمال قيام الدول العربية بقطع أو بالتخفيف من العلاقات مع إسرائيل ضئيل للغاية، من المرجح أن يؤدي التصعيد إلى تعقيد العلاقات الناشئة بين دول الخليج الموالية لأميركا مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، مع إسرائيل، والمحاولات المبذولة لإدخال المملكة العربية السعودية أو الكويت أو عُمان أو أي دولة عربية أخرى في سلام مع إسرائيل.

في هذا السياق، يشرح جورجيو كافييرو، مدير “غولف ستايت اناليتيكس”، التي تدرس إدارة المخاطر في واشنطن أن “إدارة ترامب أرادت من الحكومات العربية أن تدفن القضية الفلسطينية بدلاً من حلها، ولكن الأحداث التي اندلعت هذا الشهر أثبتت أن ذلك مستحيل تمامًا”. وبدوره، أكد أندرياس كريج، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط في “كينجز كوليدج” أن “(…) هناك حالة من اللامبالاة على مستوى النخبة تجاه القضية الفلسطينية “. (…) وقد سعى القادة الخليجيون حتى قبل الأزمة الأخيرة إلى تجاهل القضية الفلسطينية. وكثيراً ما التزم القادة العرب المتحالفون مع واشنطن والمعادون لإيران الصمت أو هتفوا حتى لإسرائيل بينما هاجموا الجماعات المسلحة لحماس والجهاد الإسلامي، التي تتخذ من غزة مقراً لها والتي تحظى بدعم من طهران.

لكن هذه المرة، قد يشعر شركاء إسرائيل العرب الجدد بالضغط. فهم يتعرضون للانتقاد عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأنهم لم يقوموا ما يكفي للدفاع عن القضية الفلسطينية. ويشكل التصعيد الذي يُنظر إليه على نطاق واسع حتى في الولايات المتحدة، كاستفزاز قام به المستوطنون الإسرائيليون من اليمين المتطرف، وضراوة الهجوم الإسرائيلي المستمر، تحديًا للامبالاة التي يبديها النظام العربي النموذجي. وعلى الرغم من “اتفاقيات إبراهيم” (الإسم المستخدم لاتفاقيات التطبيع)، يبدو أن دول الخليج لا تمتلك تأثيراً كبيراً على الأفعال الإسرائيلية، حتى إن بعض الدلائل أشارت إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تكافح للحاق بركب الرأي العام العربي، المؤيد بشدة للفلسطينيين.

وفقاً لكافييرو: “تواجه الحكومات التي وقعت اتفاقيات دبلوماسية مع إسرائيل العام الماضي مواقف صعبة اليوم”. وزادت الضغوطات بعد التصريحات والتعبير الواضح عن الدعم من قبل القادة في تركيا وإيران (…) كما تعرضت القوى الغربية لضغوط للتصرف أو التعبير علانية دون الاكتفاء بالتصريحات اللطيفة التي تدعو لوقف التصعيد وضبط النفس من قبل جميع أطراف النزاع. وأكد ستيفنس: “لقد حاول الأميركيون التغاضي عن الأمر، لكن التصعيد تجاوز كل التوقعات. إنه مثال كلاسيكي على الشرق الأوسط الذي يعيدك إلى فلكه مجدداً”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً