التغييريون والاستشارات: غداً اختبار آخر

عاصم عبد الرحمن

شكلت الانتخابات المجلسية سقوطاً مدوياً في وضعية القوى التغييرية والسيادية التي انتشت انتصاراً بتحقيقها أكثرية سرعان ما تلاشت عند أولى عتبات الاستحقاقات الدستورية لن يكون آخرها الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس لحكومة إدارة الشغور الرئاسي المتوقع. فهل تعلمت القوى التغييرية من دروس إمكانية إحكام “حزب الله” قبضته على مفاصل الاستحقاقات كافة حتى دون امتلاكه الأكثرية؟

لم يكن مفاجئاً فوز الرئيس نبيه بري برئاسة المجلس النيابي من الدورة الأولى على اعتبار أن أصوات كتلة “اللقاء الديموقراطي” محسومة لصالح شريك إسقاط اتفاق 17 أيار؛ بل على الرغم من تصويت جنبلاط لصالح صديقه غسان سكاف لنيابة رئاسة المجلس، والذي تعتبر كتلته جزءاً من الأكثرية الجديدة والمناهضة لـ “حزب الله” أتت المفاجأة الأولى بفوز الياس بو صعب الذي تبيَّن أنه حقق انتصاراً بأصوات تغييرية وأوراق بيضاء حسمت فوزه وأضعفت وضعية منافسه في الانتخابات المجلسية.

وقد استكمل سقوط القوى التغييرية في انتخابات اللجان النيابية بحيث منّنت نفسها بعضوية من هنا ومشاركة من هناك على وقع صراخ اعتراضي لم يسمن ولم يغنِ من جوع تحقيق التغيير الموعود.

أما اليوم وفي انتظار تحديد موعد لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة والعالقة في شرنقة الصفقات الباسيلية التي تنتظر زيارة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود علَّ اتفاقاً ما يفضي إلى تهيئة ظروف رفع العقوبات الأميركية عن كاهل جبران باسيل المثقل بعقبات ترشحه لرئاسة الجمهورية سياسياً ونيابياً وحتى شعبياً، حال دفع رئيس الجمهورية للتريث مطولاً حدَّ الغرق في سبات دستوري عميق في توجيه الدعوة الدستورية الى إجراء استشارات نيابية ملزمة وفق الأصول الدستورية المعروفة، ولأن حسابات الحقل العوني غالباً ما لا تتوافق وحسابات البيدر السلطوي، فإن ميشال عون وككل استحقاق حكومي يعمد إلى فرض أعراف جديدة تفضي إلى رسم خطوط التأليف قبل التكليف كي لا يكرر تجربته مع سعد الحريري يوم كُلف بتشكيل الحكومة العام الماضي برضى غالبية نيابية وسياسية تمسكت به حتى الرمق الأخير قبل إعلان وفاة محاولات الإنقاذ المالي والاقتصادي. ولا شك أن جبران باسيل يطمح إلى مشاركته شخصياً في صفوف الحكومة المتوقع لها أن تدير فترة الشغور الرئاسي عقب انتهاء ولاية ميشال عون أواخر تشرين الأول المقبل، بالإضافة إلى السعي لامتلاك الثلث المعطل يفاوض من خلاله على مكتسبات سياسية ودستورية في السنوات المقبلة نظراً الى اقتناعه بعدم جدوى تمسكه بالترشح لرئاسة الجمهورية أقله في المدى المنظور.

وهكذا يبدو أن أمام القوى التغييرية اختباراً آخر تثبت من خلاله قدرتها على التأثير في وجهة الاستحقاق الحكومي لما يتفرع منه من ملفات سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها. وعلى الرغم من وجود توجه الى إعادة تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة نظراً الى تأييد معظم قوى 8 آذار ومعها وليد جنبلاط، إلا أن القوى التغييرية لا تزال غارقة في متاهة تحديد مواصفات رئيس الحكومة المقبل، برنامج العمل وربما ملابسه والسيارة التي يجب أن يقود من دون الدخول في إسقاط هذه المواصفات على شخصية واحدة تذهب بها موحدة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، والوقوف إلى جانبها حتى تحقيق مشروع الانقاذ والتغيير الذي وعدت به ووُعد به اللبنانيون.

وفي هذا الإطار، علم “لبنان الكبير” من مصادر فريق أساسي في القوى التغييرية والسيادية “أن البحث لا يزال جارياً حول كيفية الذهاب إلى الاستشارات النيابية الملزمة بموقف موحد والوصول إلى رؤية مشتركة واتفاق واضح حول مواصفات رئيس الحكومة المقبل أي طبيعة الحكومة وبرنامج عملها، وإلا أضحت هذه القوى مجموعات متعددة ومنقسمة على نفسها لن تتمكن من تحقيق المشروع التغييري المنتظر”.

إذاً بين تأخر ميشال عون في دعوته الى الاستشارات النيابية الملزمة لغايات في نفس جبران باسيل وتردد القوى التغييرية الجديدة في توحيد الخيارات وحسم الاتجاهات، يبدو أن التغيير المنتظر مفقود حتى إشعار دولي موعود، فهل يطلق هوكشتاين كلمة سرٍّ ترسيمية للحدود السياسية كافة؟

شارك المقال