عجيبة جديدة… إضراب “نقابة” صرافي السوق السوداء

آية المصري
آية المصري

لبنان بلد العجائب والمعجزات، فكل يوم يستيقظ المواطن على أزمة جديدة أو أخبار لا يمكن ربطها بالواقع. هناك أحداث تحصل يومياً تجعله يشعر وكأنه في عالم إفتراضي لا يمكنه التأقلم معه، وآخر هذه الأحداث ما يسمّى نقابة صرافي السوق السوداء. فكيف لهؤلاء الصرافين أن ينتظموا تحت نقابة معينة؟ اذ أن أحد أهم أهداف النقابات توحيد العمال والدفاع عن حقوقهم الى جانب توفير عقود أفضل للعمال والعمل على رفع أجورهم وتحقيق مطالبهم ومنحهم الأمان والاستقرار الوظيفي. فهل تعي نقابة صرافي السوق السوداء جيداً مهام النقابات؟ وكيف يمكن لسوق سوداء غير مشروعة في بلدنا أن تعلن عن إضرابها المفتوح؟ وهل الـ”لالا لاند” باتت تهمين على اللبنانيين؟ ومن يتحمل هذه المسؤولية؟

حنكش: نظرية “الهونولولو” لحاكم “المركزي”

في حديث لموقع “لبنان الكبير”، قال النائب إلياس حنكش: “في العام 2020 طلبت جلسة إستماع الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في لجنة الاقتصاد والتجارة ويومها إنتقدني الكثير من النواب الزملاء، وكانت لدي أربعة أسئلة موجهة الى الحاكم وأحدها يتعلق بهذا الشق: من يقرر سعر الصرف وكيف تتم العملية؟ وأجابني الحاكم بمعادلة العرض والطلب المبنية على نظرية (الهونولولو) وقلت له في نهاية المطاف هناك دولارات عند الصرافين وغير موجودة في المصارف وهذا يعني أن هناك تواطؤاً بين الجهتين من خلال تقسيم الربح بالنصف”.

أضاف حنكش: “لا ألوم الصرافين وما حدث أمس يعود الى هيبة الدولة المكسورة منذ سنوات، اضافة الى الفلتان المهيمن على المستويات كافة وكأننا في بوسطة لا يقودها سائق وتهبط أكثر فأكثر. ومن هنا جملة تساؤلات يجب طرحها: أين حكومة تصريف الأعمال؟ وأين رئيس الجهمورية؟ وأين رئيس مجلس النواب الذي يريد خفض سعر صرف الدولار؟ أين المسؤولون في البلد؟ وأين حاكم مصرف لبنان والصيرفة والسعدنات التي يقوم بها؟”.

مسعد: ما يحدث نتيجة غياب الدولة

ورأى النائب شربل مسعد أن “مصرف لبنان والوزراء لا يقومون بواجباتهم ووصلنا الى هذه الحالة نتيجة غياب الدولة من جهة، ونتيجة الوزراء المعنيين والتجار الذين يتلاعبون بسعر صرف الدولار في السوق السوداء كما يريدون ويشتهون من جهة أخرى. وعندما تكون السلطة التنفيذية المتمثلة في هذه الحكومة غير مكترثة لأوضاع الشعب ولا تسأل عن الفلتان المهيمن في القطاعات كافة فستكون هذه النتيجة المتوخاة”، معتبراً أن “هناك تآمراً واضحاً بين مالكي المنصات الخاصة ومصرف لبنان، وهذا التآمر على الشعب اللبناني الفقير”.

جزيني: موقف هزلي وسريالي

أما الخبير المالي والاقتصادي محمد جزيني فقال: “لا أعتقد أن الجميع سيلتزم بهذا الاضراب خصوصاً في الظروف التي نمر بها. اليوم السياح بدأوا يتوافدون الى لبنان والدولار سيصبح موجوداً وبالتالي هناك فئة ستصرف بشكل دائم ويبقى العمل متوافراً لدى العديد من الصرافين. والأكيد أن هذا الموقف هزلي وسريالي لأن المسجلين لا يتعدى عددهم الـ 5% من مجموع الصرافين في البلد، وغير المسجلين هم الذي يعملون بصورة أكبر في السوق ونشطاء أكثر فيه”.

وأكد أن “عملية خفض سعر الصرف في السوق اللبنانية اليوم قوامها الأساس بالمباشر، ضخ عمولات أجنبية في الأسواق وهذا نأخذه من الإحتياط الإلزامي الموجود في مصرف لبنان،وهذا الضخ يعني أننا نستخدم ودائع المودعين وهذا ما يعارضه كل الناس، واذا أردنا الذهاب في إلقاء اللوم فيجب ايجاد حل بديل، والحل طويل الأمد المتمثل في التفاوض مع صندوق النقد الدولي هو ما يتم العمل عليه، ومن المفترض أنه قيد التطوير”.

أضاف: “لا أعتقد أن التعاطي مع الموضوع النقدي والمالي في البلد يتم بهذه الطريقة الشعبوية، ولا أعتقد أننا يمكننا فقط لبناء شعبية معينة أن ننتقد من دون تقديم أي حلول أو طروحات أخرى خصوصاً وأنهم أصبحوا في موقع مسؤولية. ما هي الطروحات المقدمة القابلة للتنفيذ ولم يتم السير بها؟”.

لبنان بلد العجائب

وفي المقابل، لفتت مصادر سياسية مطلعة الى أن “لبنان بلد العجائب، ومن البديهي أن نرى نقابة لصرافي السوق السوداء، ومن غير المستبعد أن نرى بعد فترة نقابة تُعنى بتجار المخدرات ونقابة للمهربين على الحدود أو نقابة للإتجار بالبشر أو نقابة للنشالين والحرامية. وبالتالي السؤال اليوم متعلق بمن هم الموجودون في السوق السوداء؟ والاجابة أنهم عبارة عن عشرات الصرافين المقسمين على أحزاب معينة وبعض رجال الأعمال وأصحاب المصارف، ويبدو أن هناك مشكلة اليوم مع حاكم المركزي رياض سلامة وهذا الخلاف أسفر عن التهويل الذي تجلت صورته”.

وتخوفت هذه المصادر من “أن يكون هذا الاضراب عبارة عن لعبة وراءها جشع لتحقيق المزيد من الأرباح الكبيرة على حساب مصلحة الشعب اللبناني، ومن البديهي أن لا محاسبة لهذه الأطراف لأن السلطة قوية على الضعيف”.

يتضح من كل ذلك أن السياسيين لن يضعوا المسؤولية الكاملة على عاتق الصرافين لأنهم يعتبرون أن كل ما يحدث في البلد هو نتيجة غياب الدولة وإهمال الجهات المعنية. لكن في المقابل، من غير المسموح التلاعب أكثر بمصير المواطن العاجز عن تأمين أدنى مقومات العيش، فالى متى سيبقى هذا التفلت؟ وهل سنستيقظ في فترة قريبة على نقابات جديدة للفساد والسرقة؟

شارك المقال