ميقاتي أو سلام نتيجة واحدة: لا تأليف

صلاح تقي الدين

فيما ينشغل المراقبون في جمع نقاط الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم في بعبدا لتسمية رئيس مكلّف تشكيل حكومة العهد الأخيرة، انقسم النواب عشية هذه الاستشارات ما بين مؤيد لاعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أو تسمية السفير نواف سلام أو الامتناع عن تسمية أي شخصية سنية لتشكيل حكومة لن تعمّر أكثر من أربعة أشهر.

لكن وربطاً بالموعد الذي تأخر رئيس الجمهورية في تحديده لهذه الاستشارات فترة تزيد عن شهر منذ إجراء الانتخابات النيابية، يلفت مراقبون إلى أن الحديث الذي أجراه عون مع صحيفة “الأخبار” قبل يومين يتضمن النقطة الأهم وهي “إمساكه بختم” التشكيل، أي أنه لن يوقع على مراسيم تشكيل أي حكومة لا تراعي مطالبه أو بالأحرى مطالب تياره البرتقالي ورئيسه صهره المعجزة النائب جبران باسيل.

وعملياً يبدو ميقاتي الأوفر حظاً في الفوز بالتسمية لكنه في هذه الحال يواجه مطالب “تعجيزية” من باسيل خصوصاً أن الأخير يتهمه بأنه يقف سداً منيعاً في وجه تنفيذ مشاريع التيار الكهربائية ونموذج معمل سلعاتاً مثلاً، إضافة إلى ملفات خلافية أخرى لم يرغب ميقاتي في تمريرها في جلسات مجلس الوزراء مثل التعيينات الادارية والأمنية والقضائية.

وبدأ باسيل بوضع العراقيل أمام حكومة “ميقاتية” جديدة أهمها الاحتفاظ بحقيبة وزارة الطاقة لتياره وتوليه شخصياً حقيبة وزارة الخارجية علّه يستطيع تجاوز العزلة التي فرضتها عليه العقوبات الأميركية، إضافة إلى وزارتي العدل والبيئة، وهذه شروط كرّر ميقاتي مراراً أنه لن يخضع لها ولن يستطيع باسيل ابتزازه فيها.

كما أن الرئيس عون تساءل في معرض حديثه الصحافي عن السبب في عدم الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لغاية اليوم، وهذا أيضاً من الشروط الباسيلية – العونية على الحكومة العتيدة، فعون يردد أنه لن يغادر قصر بعبدا قبل الاطاحة بسلامة، في حين أن ميقاتي يُتهم بأنه يحمي الحاكم، وهو أعلن أنه في وسط الحرب لا يمكن تغيير “الجنرالات”، في تلميح إلى عدم استعداده لتغيير حاكم مصرف لبنان.

كما يرى المراقبون عقبة إضافية أمام ميقاتي تتلخّص في إقالة قائد الجيش العماد جوزف عون، وهي مسألة لا ترتبط بأداء القائد الذي يجمع كل الداخل والخارج على كفاءته وقدرته على حفظ المؤسسة العسكرية من الانهيار في حين أن مؤسسات الدولة تنهار الواحدة تلو الأخرى تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والمعيشية غير المسبوقة التي يعيشها لبنان بفضل “إنجازات” العهد القوي، بل إن القضية هي محاولة إزاحة كل من يشكل عقبة أمام طموحات باسيل السياسية والعماد عون منهم.

ونتيجة مواقف الكتل النيابية المختلفة عشية الاستشارات، بات واضحاً أن ميقاتي سينال العدد الأكبر من أصوات النواب ويصبح رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة العتيدة، مقابل تأييد عدد لا بأس به من نواب التغيير والمستقلين إلى جانب كتلة “اللقاء الديموقراطي”، الذي جاء موقفها بمثابة مفاجأة أطاحت بحسابات كثيرة، تسمية سلام.

لكن مع موقف كتلة “القوات اللبنانية” التي أعلنت أنها لن تسمّي سلام لأنه “يزور البلد في المناسبات”، وموقف “التيار الوطني الحر” الذي أعلن أنه لن يسمّي ميقاتي، ستبرز حجة لاضعاف موقف ميقاتي وهي حجة الميثاقية المسيحية التي لن تكون معه مع امتناع أكبر كتلتين مسيحيتين عن تسميته، لكن هذه المسألة هي بمثابة “أرنب” سيعالجه الرئيس نبيه بري الذي سبق له وأعلن أن هذه القضية لن تكون مطروحة.

الا أنه مع كل هذه الشروط “التعجيزية” التي يطرحها باسيل، يتساءل المراقبون: في حال تسمية السفير نواف سلام لتشكيل الحكومة الأخيرة في العهد القوي، هل سيستطيع التماهي مع هذه الشروط، وهل هو على استعداد لتلبية مطالب باسيل لقاء الظفر بلقب “دولة الرئيس”؟ ويسارعون إلى الإجابة بالنفي.

ويرى بعض المحللين أن من مصلحة عون وباسيل عدم تشكيل حكومة جديدة بغض النظر عن اسم الرئيس الذي سيكلف بتشكيلها، فحكومة تصريف الأعمال الحالية تفي بالمطلوب بالنسبة اليهما في حال مرت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ولم تحترم، وتحولت الحكومة الحالية إلى حكومة “رئاسية” على غرار حكومة الرئيس تمام سلام في نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان.

فحكومة ميقاتي الحالية يتمتع باسيل من خلالها بغالبية المقاعد المسيحية وهي تضم إلى جانب “راعيه” وحليفه “حزب الله” ثلثاً معطلاً مقنعاً، وسيكون بالتالي قادراً على إدارة الملفات التي ستعالجها الحكومة وفقاً لما يناسبه، فلماذا المخاطرة بتشكيل حكومة جديدة لن يحظى خلالها بالامتيازات التي يحملها حالياً؟

أما حجة الذين سيسمّون ميقاتي فيقولون انه من الأفضل أن يتابع رئيس حكومة تصريف الأعمال العمل الذي قام به في حكومته لجهة مواصلة ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإجراء الاصلاحات النقدية والمالية المطلوبة، والسير بمشروع التعافي الذي وضعته حكومته.

إذاً، لبنان مقبل على استشارات نيابية ملزمة لن تغيّر في مسار هذا العهد بشيء، وبالتأكيد لن تدفع رئيس الجمهورية الى توقيع أي مرسوم بتشكيل حكومة لن تكون فيها “الغلبة” لجبران، وستتولى حكومة ميقاتي بالتالي، (والله يعينها عالورثة) مسؤولية تصريف الأعمال حتى نهاية العهد المشؤوم وربما إذا لم تسر الانتخابات الرئاسية على النحو الايجابي، فقد تستمر هذه الحكومة في إدارة البلد لفترة غير قصيرة.

شارك المقال