مشاورات التكليف… مراوغة قواتية وتحسين مواقع باسيلية

محمد شمس الدين

ينشغل لبنان اليوم بتكليف رئيس لحكومة جديدة، مدتها 4 أشهر، وسط توقع غالبية القوى السياسية أن الرئيس الذي سيُكلف لن يؤلف، وذلك وفقاً للتجارب السابقة، والوقت الذي تأخذه الحكومات عادة. وعلى الرغم من أن الرئيس نجيب ميقاتي هو الأوفر حظاً، إلا أن الساعات الأخيرة شهدت خلطاً للأوراق، أو على الأقل هكذا يظهر الأمر، بحيث تم التداول في أسماء عدة: وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، المصرفي المخضرم صالح نصولي والقاضي نواف سلام. فهل ستشهد الاستشارات معركة حقيقية على تسمية رئيس للحكومة؟ أم أن طرح الأسماء والمناكفة هما لتحسين المواقع؟ وماذا عن تشكيل الحكومة؟ هل فعلاً لن يؤلف الرئيس المكلف؟ وما هي المعرقلات أمامه؟ وماذا لو تعادلت الأصوات مع وجود أكثر من مرشح؟ وهل يحتاج الرئيس المكلف إلى أن يسمّيه النصف زائداً واحداً؟ وفي حال امتنعت كتل عن التسمية كيف يتم احتساب الأصوات؟ وماذا يقول الدستور؟

لجهة التكليف، أشار رئيس منظمة “جوسيتيسيا” الحقوقية بول مرقص في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “من ينال أكبر عدد من الأصوات هو الذي تتم تسميته، إذ أن النص لم يحدد عدداً معيّناً من الأصوات، فقد يحصل التكليف بأقلية، ولكن لمن نال أكبر عدد من الأصوات، مع مراعاة المتطلبات الطائفية المكرّسة بموجب المادة 95 من الدستور اللبناني طالما أنها لا تزال نافذة، ومع الأخذ في الإعتبار أنه بعد التكليف يجب أن تنال الحكومة الثقة، وهو الأمر الصعب في ظل عدم موافقة غالبية المجلس النيابي على التكليف. أما بالنسبة إلى تعادل الأصوات، فلم يذكر النص أيضاً هذه الحالة، ولكن الأصح أن تعاد الإستشارات لضمان حصول الحكومة لاحقاً بعد تأليفها على ثقة المجلس. كما أنه بغياب النص يمكن لرئيس الجمهورية أخذ القرار وتكليف أحد المتعادلين بحكم أنه وحده من يوقع مرسوم التكليف، إلاّ أن هذا الخيار قد يصطدم بحجب الثقة عن الحكومة بعد تأليفها، عملاً بمبادئ النظام البرلماني، مما قد يؤدي إلى هدر المزيد من الوقت ويتسبب بالفوضى السياسية أكثر فأكثر”.

ولجهة الامتناع عن التصويت، “لا يؤثر ذلك على التكليف طالما أن العدد المعتمد ليس غالبية معينة من المجلس، إنمّا يكلف من ينال أكبر عدد من الأصوات عموماً”، بحسب مرقص، الذي أكد أن “الموضوع الأهم يبقى إذا ما كانت الحكومة ستنال ثقة غالبية المجلس لاحقاً بعد تأليفها في ظل عدم نيل من كلّف بتأليفها غالبية أصوات المجلس”.

منذ سنتين، سمّي الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، التي لم يكتب لها نجاح التشكيل بسبب رفض رئيس الجمهورية ميشال عون وعدم دعم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وتسميته وقتها السفير نواف سلام في الاستشارات النيابية. أما اليوم فقد أعلن “القوات” أنه لن يسمّي أحداً، وعزا جعجع السبب الى اعتبارات عدة أولها عدم معرفته بمواقف سلام وجديته، وهنا لا بد من السؤال: هل كان “القوات” يعرف مواقفه منذ سنتين أم أنه كان يناكد الرئيس الحريري فقط؟

مصادر مواكبة لعملية الاستشارات النيابية اعتبرت في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “القوات لم يكن بنيته أصلاً ترشيح أحد غير الرئيس ميقاتي، مما يؤكد الأخبار التي انتشرت خلال الانتخابات عن صفقة في طرابلس، بين القوات وميقاتي، بحيث جيّر الأخير أصواتاً من جمهوره للائحة التي يدعمها القوات، مقابل ألا تتم عرقلة وصوله إلى رئاسة الحكومة مجدداً، وهذا ما فعله جعجع اليوم، خدع النواب الحلفاء والخصوم والتغييريين، وأوحى اليهم بأنه سيسمّي نواف سلام لرئاسة الحكومة، وعشية الاستشارات النيابية أعلن أنه لن يسمّي أحداً، مما يشق الطريق أمام ميقاتي لترؤس الحكومة مجدداً”.

ورأت المصادر أن “هناك خدعة كبيرة يتم إيهام الجمهور بها، بحيث أن المنطق يفرض أن يكون ميقاتي رئيساً للحكومة، وهذا مطلب خارجي قبل أن يكون داخلياً، اذ أنه على الأرجح سيُكلف ولن يؤلف، وحتى لو استطاع التأليف، فستكون حكومة قصيرة العمر، لأننا على بعد أشهر من الاستحقاق الرئاسي، وعندها تدخل من جديد في تصريف الأعمال”، متسائلة “هل يقبل نواف سلام أو غيره أن يتولى رئاسة الحكومة لفترة قصيرة كهذه؟ وتحديداً أن التأليف سيكون مخاضه صعباً جداً، إذا كان خارج رضا حزب الله وحلفائه، فسترفع في وجهه ورقة الميثاقية، عدا عن فيتوات رئيس الجمهورية الذي لن يوقع على حكومته إذا لم يكن جبران باسيل راضياً عن حصته فيها”.

أضافت المصادر: “بالحديث عن باسيل، هو اليوم، يحاول تحسين مواقعه، والاستمرار بالقوطبة على موقع رئاسة الحكومة، بل انه مع جعجع يمارسان الفدرلة بالممارسة، وكأنه بند سري من اتفاق معراب، بحيث أن وصول رئيس حكومة من دون تصويت أي من الثنائي المسيحي له ستكون له تبعات، وعلى الأرجح لن يسمّي باسيل أيضاً أي مرشح لرئاسة الحكومة، فهل من المعقول أن يوجه ضربة كهذه الى حزب الله؟ لا أظن ذلك، وإن فعلها فالحزب لن يمرر الأمر بسلام، وسيرد الصفعة حتماً، وقد تكون بالحصص الحكومية”.

وبالنسبة الى الكتل الأخرى، أكدت المصادر أن “الثنائي الشيعي واضح منذ البداية بتسمية ميقاتي، أما التغييريون فهم واقعون بين نارين، نار عدم التسمية وبالتالي فشل جديد سيسجل عليهم بعد جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس وانتخابات اللجان، ونار التسمية والمَني بخسارة مدوية، ولكن يبقى الخيار الثاني أقل وطأة عليهم من الأول بحيث أنهم يستطيعون القول انهم يواجهون. ومن جهة الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي، فقد أعلنا موقفيهما بتسمية سلام لرئاسة الحكومة. الكتائب يقطفها شعبوياً والتغني بأنها من المعارضة، أما الاشتراكي، فهو رابح من الجهتين، اذ يقطفها شعبياً، وفي الوقت نفسه حصته مضمونة مع ميقاتي حتى لو لم يسمّه”.

وعبّر مصدر سياسي عن ارتياحه الى الخلاص من السيناريو الأسوأ بعد عدم تبني “القوات” السفير سلام، قائلاً: “لو تبنى القوات نواف سلام واستطاع فرضه، بعيداً عن المعرقلات التي قد يضعها رئيس الجمهورية، لكان البلد أمام مشهد لم يحصل في تاريخه، بحيث أن المجلس النيابي يستطيع كل يوم أن يعقد جلسات مساءلة للحكومة، ويستطيع طرح ثقته بوزير، وسيكون التعطيل سيد الموقف، أكثر من كل المرات السابقة، ولكان البلد شهد أسوأ من جهنم”.

شارك المقال