الأصوات القليلة في الاستحقاقات… تغيير أم حرتقة سياسية؟

محمد شمس الدين

أخيراً مر استحقاق تكليف رئيس للحكومة، وكان المنصب من نصيب الرئيس نجيب ميقاتي بـ 54 صوتاً، وهو أقل عدد من الأصوات ناله في تاريخ توليه الحكومات، وعلى الرغم من “التسريبات” المقصودة، إلا أن “التيار الوطني الحر” و”القوات” لم يسمّيا نواف سلام، مما يدل على مناورة شعبوية عند الفريقين، بحيث بات من اليقين أن لا أحد يمكنه تولي رئاسة الحكومة قصيرة العمر هذه غير الرئيس ميقاتي، وهما بعدم تسميتهما أحد، شقا الطريق أمامه الى السراي الحكومي، أما نواب التغيير فاعتبروا أن ما يحصل هو ضرب للرموز السياسية، عبر حصولها على أصوات قليلة، وهذا يعد أولى خطوات التغيير في لبنان، فهل يتجه لبنان فعلاً نحو التغيير؟

تمنى مصدر سياسي متقاعد في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن يكون فعلاً ما يحصل هو احدى خطوات التغيير، ولكنه رأى عكس ذلك، مشيراً الى أن “ما يحصل اليوم هو حرتقة سياسية، وتحديداً من ثنائي اتفاق معراب، فكل القوى تعرف أن الرئيس ميقاتي هو الوحيد الذي يمكنه تولي الحكومة في هذه الفترة، وحتى الدول الاقليمية المهتمة بالشأن اللبناني كانت تعرف أن ميقاتي هو الوحيد الذي سيكلف، فما هذه الحرقات، بل الهرطقات السياسية التي نشهدها اليوم من بعض القوى السياسية؟ أما التغييريون فهم لا يزالون مبتدئين في السياسية، وبالتالي سيخرجون باستنتاج أنهم استطاعوا كسر صورة الرموز السياسية، ولكنهم بالتأكيد سيصابون بالصدمة لاحقاً، فما يحصل اليوم يبدو أنه دفع لبنان نحو نظام جديد، وهو لن يكون إلا المثالثة، مهما حاول ثنائي معراب الدفع نحو الفديرالية، و(الأم الحنون) فرنسا، تدفع في هذا الاتجاه بكل قوتها الديبلوماسية، وهذا ليس أمراً جديداً، بل هو رؤية فرنسا للحل في لبنان منذ مؤتمر سان ريمون، بينما الرؤية الأميركية تبدو في الاتجاه نحو الفديرالية، وبدأ في دوائرها التسويق لفكرة مناطق منزوعة السلاح، أو المناطق الأمنة، وهو طرح ليس أميركياً 100% بل طرح بعض اللبنانيين، على معارفهم في الادارة الأميركية، ومن يتابع بعض الجمعيات والمواقع الالكترونية، وبعض الشخصيات الإعلامية يرى أن هناك من يحاول التسويق لهذه الفكرة، كأنها الحل السحري في لبنان”.

وأعربت مصادر مقربة من “الثنائي الشيعي” عن استيائها من تعاطي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” مع الاستحقاق الحكومي، وكان قد سبقه استحقاق رئاسة مجلس النواب، وقالت: “على الرغم من تفهم الثنائي لموقف التيار الوطني الحر باعتماد هذا النهج، كون حزب القوات يزايد عليه شعبوياً، إلا أنه يجب أن يعلم الفريقان أن الانتخابات انتهت، وعليهما التفكير في مصلحة البلد، لا أن يحاولا شد عصب جماهيرهما. وفي هذه المرحلة، من الجلي أن ميقاتي هو الوحيد الذي يمكن تكليفه، بل ربما هو الوحيد الذي قد يقبل بالتكليف. هناك استحقاقات كبيرة أمام البلد، ولا يمكن مواجهتتها بالتفرقة هذه، بل يجب على الجميع تحمل المسؤولية، ولتضع كل القوى السياسية أيديها بأيدي بعض، من أجل محاولة إنقاذ البلد، وما نفع الشعب اللبناني بشد العصب إن كان لا يستطيع تأمين ربطة الخبز؟”.

أما لجهة النواب التغييريين، فرأت المصادر أن “عودهم لم يشتد في السياسة بعد، ولا لوم عليهم، سيحتاجون إلى بعض الوقت، ولكنهم في النهاية سيرون الصورة الكبيرة، ولن يبقوا متمسكين بالزوايا الضيقة”.

ولجهة النظام الجديد للبنان، شددت المصادر على وجوب “تطبيق الطائف قبل التفكير في نظام جديد”، متسائلة: “كيف يمكن لأحد أن يفكر في نظام جديد لبلد، وهو لم يطبق نظامه الموضوع أصلاً؟ فقبل أن يفكر أحد في مثالثة أو فديرالية، واللتين يرفضهما الثنائي، عليه أن يتوقف عن تعطيل تطبيق نظامه، وإن كانت هناك حاجة الى التطوير يتم نقاشها، لا مانع من ذلك، ولكن فليبدأوا بالأساسيات: إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، إنشاء مجلس شيوخ، قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، فلنبدأ بهذه، وإن وجدنا أن كل هذه القوانين الإصلاحية لا تنفع فلنفكر عندها في التطوير، أو حتى التفكير في نظام جديد، ولكن من المؤكد أن لا حاجة لالى ذلك إذا طبق الطائف كاملاً”.

انتهى الجهاد الأصغر، تكليف رئيس حكومة، والآن حان وقت الجهاد الأكبر، تشكيل الحكومة، الأمر الذي تتوقع غالبية القوى السياسية أنه لن يحصل، فالحكومات في لبنان اعتادت أن تأخذ أشهراً، وفي عهد الرئيس ميشال عون اعتذر رئيسان مكلفان، وربما الرئيس ميقاتي هو الأنسب في هذه المرحلة، لأنه لن تكون هناك حكومة جديدة، هذا ما يتوقعه معظم السياسيين والمحللين، على الأقل ليس قبل انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهذا بحد نفسه تحد كبير، بحيث أن من الممكن أن يدخل البلد عصر الفراغ من جديد، وعندها لن تنفع كل الشعبويات والشعارات الرنانة، فالفراغ كان أحد الأسباب الكبرى للانهيار، فماذا ستكون تبعات فراغ جديد؟

شارك المقال