نجيب ميقاتي شرّ لا بد منه للثنائي الشيعي!

جورج حايك
جورج حايك

يصح القول بأن الرئيس نجيب ميقاتي رجل المراحل الانتقالية أو البديل عن ضائع، بدليل أن كل مرة تتم تسميته رئيساً للوزراء تكون لديه مهمة معينة، ففي العام 2005 كانت مهمته اجراء انتخابات نيابية، وفي العام 2011 كان البديل لقيادة المرحلة بعد الرئيس سعد الحريري، وفي العام 2021 عاد رئيساً للتفاوض مع صندوق النقد الدولي ومحاولة تخفيف سرعة الانهيار الاقتصادي واجراء الانتخابات النيابية وهذا ما فعله منذ شهر ونصف الشهر، والخميس الفائت سمّته حفنة من النواب لا يتجاوز عددها الـ54 ليقود أصعب مرحلة وأكثرها غموضاً ولا سيما مواكبة استحقاق الانتخابات الرئاسية والانقسام العمودي الذي يعاني منه البلد!.

ليس سراً على أحد أن الرئيس ميقاتي طرح نفسه وسطياً حتى في ذروة انقسام البلد بين 8 و14 آذار، لذلك كان أحياناً الحل لإجتياز مراحل سياسية معينة، لكن في الوقت نفسه، لا يشكّل ميقاتي بخطه السياسي ازعاجاً للثنائي الشيعي الذي يتألف من حركة “أمل” و”حزب الله”، وقد سبق أن كان الرئيس المكلّف “المحظوظ” عام 2011، ولم يكن الثنائي الشيعي قادراً على تجاوز سعد الحريري إلا بنجيب ميقاتي، ولم يكن انقلاب القمصان السود لينجح إلا بمساعدته!. واللافت أن ميقاتي في هذه المرحلة رفع شعار “النأي بالنفس” فيما كان “حزب الله” يعد العدة للإنخراط في الحرب السورية. فتحوّل شعار ميقاتي حبراً على ورق، لذلك يعتبر البعض أن ميقاتي “شرّ لا بد منه” للثنائي الشيعي، بل يؤكّد هذا “البعض” أن العلاقة بين ميقاتي و”حزب الله” لم تكن مستقرّة في يوم من الأيام. الكيمياء، إن صحّت العبارة، مفقودة بينهما منذ حكومة العام 2011، حين اضطرّ حسن نصر الله حينها للخروج إلى العلن قائلاً مستهزئاً: “إذا أراد الرئيس ميقاتي أن يستقيل فليستقِل، هذا شأنه”.

مع ذلك، لقد اختبر الثنائي الشيعي ميقاتي جيداً، فهو رجل حريص على الاستقرار، لذلك لا يخوض مغامرات غير مدروسة، صحيح أنه يؤمن بمبادئ وطنية معينة وقد يذهب بأحلامه إلى بلد لا سلاح فيه غير سلاح الجيش اللبناني، ويطمح إلى دولة سيدة، حرة ومستقلة، إلا أنه يعرف التمييز بين الأحلام والواقع، ويضع حداً فاصلاً بينهما، ويمارس سياسة “الممكن” بواقعية، وهنا سرّ جاذبية ميقاتي بالنسبة إلى الثنائي الشيعي. لكن تسمية الثنائي لميقاتي لرئاسة الحكومة هذه المرة لها خصوصيتها ومبرراتها على النحو التالي:

أولاً، يعتبر الثنائي الشيعي أنّ ميقاتي حاجة سياسية للجميع، تجعله قادراً على تدوير الزوايا من دون إسراف، متمكّناً من تمرير بعض القرارات، وأن يدوس على الخطوط الحمر من دون تجاوزها. هكذا تصرّف متماهياً في عدم الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لحظة “حَرَد” الثنائي الشيعي، على الرغم من مطالبة الرئيس ميشال عون بانعقادها. هكذا تعامل أيضاً مع إصدار الموازنة وبعض التعيينات العسكرية مع تحفّظات الرئيس نبيه بري، ومعه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله. ودهاء ميقاتي يجعله قادراً مثلاً على اطلاق موقف وسطي يقول فيه ان “حزب الله” حزبٌ سياسي لبناني ولا سطوة لأي دولة خارجية على البلاد!.

ثانياً، لا يجد الثنائي الشيعي في الوقت الحاضر أفضل من ميقاتي لتكملة ما بدأه مع صندوق النقد الدولي، وتقطيع هذه المرحلة وصولاً إلى الاستحقاق الرئاسي، وهو حاجة أيضاً للتواصل مع المجتمع الدولي، تحديداً فرنسا، التي لا يبدو غيرها من دول العالم مهتمّاً بلبنان وأزمته. علماً أن الحزب والحركة يعلمان أن المجتمع الدولي في الوقت الحاضر لا يضع في أولوياته لبنان، وخصوصاً في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية، وتعثّر المفاوضات النووية في فيينا، لذلك طبيعة المرحلة تستوجب الاستعانة بمسؤول كميقاتي تجنباً لأي مغامرة مع شخص آخر.

ثالثاً، يريد الثنائي الشيعي رئيس حكومة مرضي عنه سنياً نسبياً ويؤمّن شرط التوازن الطائفي بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي، وهذا الموقف يريح دار الفتوى، لأنه شخصية سنية غير مستفزّة وليس ضدّ الإتجاه السنيّ العام بالحدّ الأدنى.

رابعاً، يعرف الثنائي الشيعي أن ميقاتي قد لا ينجح في فترة قصيرة في تأليف حكومة جديدة، وسيكون الاستحقاق الرئيسي داهماً، ويعرف أيضاً أن انتخاب رئيس في ظل الوضع الداخلي المعقّد والوضع الاقليمي والدولي غير المستقر، ربما لن يحصل، مما يتطلب وجود رئيس حكومة غير تصادمي يصرّف الأعمال بهدوء، وهذا ما ينطبق على ميقاتي الذي يستطيع المحافظة على النظام القائم من دون مفاجآت ومغامرات غير محمودة. وتنطلق حاجة الثنائي إلى ميقاتي من طبيعة المرحلة الاقتصادية والمعيشية الحارقة، فالبيئة الشيعية تعاني من تداعيات الانهيار، وربما سيسهّل الثنائي الشيعي لميقاتي تأليف حكومة مصغّرة تعالج المشكلات الأساسية للبلد وتستمر في ادارته في حال لم تحصل الانتخابات الرئاسية.

شارك المقال