انهيار مبنى ضهر المغر: كابوس يطال مئات المباني الآيلة للسقوط!

إسراء ديب
إسراء ديب

تفتح قضية انهيار المبنى في محلّة ضهر المغر ملف الأبنية الآيلة الى السقوط أو تلك التي تحتاج إلى ترميم عاجل لإنقاذها وسكانها. وسواء أكانت تلك الأبنية تراثية أم لا، يقع المواطن الطرابلسي ضحية الإهمال أو التغاضي عن المئات من المخالفات التي كانت قد نفذت منذ الثمانينيات وصولاً إلى يومنا هذا، وكانت قد تفاقمت بوضوح مع الانتخابات النيابية الأخيرة بحيث فُتحت المخالفات “على مصراعيْها” بلا أيّ حسيب أو رقيب، مهما علت المناشدات للحدّ منها سريعاً، نظراً الى خطورتها وانعكاساتها التي لا حدود لها.

وفي حادثة متوقّعة، انهار مبنى في شارع العماري- ضهر المغر في القبة مؤلّف من 3 طبقات ما أدّى إلى سقوط ثلاثة جرحى واستشهاد الطفلة (ج.د -5 أعوام) من عائلة كانت الوحيدة التي اختارت البقاء في المبنى على الرّغم من مغادرة سكانه له خوفاً من خطر الانهيار، وتحوّل في لحظة واحدة إلى مشهد تتراكم فيه الأنقاض الناتجة عن إهمال المعنيين لهذا المبنى الذي كانت “البلدية قد كشفت عليه منذ فترة، ولكن لم يتحرّك أيّ من المعنيين لترميمه ولم تُوافق العائلة التي كانت تقطن فيه على مغادرته كالعائلات الأخرى، نظراً الى ثمن إيجاره الرخيص لأنّه إيجار قديم”، وفق ما يقول أحد القاطنين في المنطقة لـ “لبنان الكبير”.

ولم يتمالك أهالي ضهر المغر أعصابهم بعد هذه الحادثة التي دفعتهم إلى حال من الغضب، خاصّة بعد خبر وفاة الطفلة التي أُعلن عنه في مستشفى طرابلس الحكومي بعد انتشالها من تحت أنقاض المبنى، الأمر الذي أشعل معظم أحياء طرابلس وطرقاتها بالرصاص الذي استمرّ طيلة المساء، وأدّى إلى طرد رئيس بلدية طرابلس رياض يمق بعد وصوله إلى المكان لتفقده، فضلًا عن قيام عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر دعوات للنزول إلى الشارع وقطع الطرقات تعبيراً عن حال الاستياء والحزن التي وصل إليها المواطن الطرابلسي الذي لا تكفيه كلّ المعاناة التي يُواجهها لتُضاف إليه هذه الأزمة أيضاً.

وتُشير معطيات لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ الأهالي قاموا بالتعدّي على الفرق الانقاذية والاسعاف التي كانت تحاول انتشال الضحايا أو الجرحى، كما تعرّض الجيش اللبناني أيضاً لهجوم منهم بسبب غضبهم الشديد، ولم يتمكّن سريعاً من امتصاص هذا الغضب الذي تشرّبه بحكمة، فارضاً فيما بعد حزام الأمان على المنطقة.

وكانت وحدات من الجيش ضربت طوقاً أمنياً بعد تجمّع المواطنين الذين هرعوا خوفاً وغضباً إلى المكان، ومنعتهم من الاقتراب، فيما تولّت فرق الإسعاف المختلفة عمليات إنقاذ الأشخاص في المبنى المنهار الذي تضاربت حوله المعلومات المتعلّقة بعدد الجرحى من جهة، وحول ما إذا كان مبنى تراثياً أم لا. كما تضاربت المعلومات حول رواية ضعيفة تلفت إلى أنّ شاحنة “لافاجيت” صدمت أحد أعمدته منذ أيام وصدّعتها، فيما تُؤكّد مصادر هندسية لـ “لبنان الكبير” أنّ تصدّع المبنى يأتي نتيجة عمره القديم وضعفه مع غزارة الأمطار التي أضعفت أعمدته.

مبنى تراثي أم قديم؟

في السياق، اتهم المواطنون بلدية طرابلس بالإهمال والتقصير مع أنّها سارعت إلى إرسال ورشها وآلياتها مع عناصر ورشة الطوارئ للمساعدة على إزالة الردم والحجارة. وفي بيان أصدره يمق عن الحادثة أكّد أنّ البلدية لا تملك القدرة المادية على الترميم، مشدّداً على أنّ هذا المبنى كغيره من المباني المهددة بالانهيار في المدينة القديمة والشعبية “كانت أعدت البلدية تقارير مفصلة بشأنها وأرسلتها إلى جهات الاختصاص، سواء المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة أو الهيئة العليا للإغاثة، وقيام شرطة البلدية بتوجيه انذارات الى السكان بضرورة إخلاء هذه المباني الأثرية أو القديمة الآيلة إلى السقوط، إلا أنّ الأهالي كانوا يرفضون عملية الإخلاء”.

ومع تركيز يمق على المديرية العامّة للآثار والحديث عن كون هذا المبنى أثرياً، يشدد الدكتور خالد تدمري في منشور له، على أنّ المبنى لا يُعدّ تراثياً بل قديم، إذْ لا تنطبق عليه المواصفات المطلوبة لذلك.

مستجدّات الحادثة وتفاصيلها

يتحدّث مسؤول منطقة طرابلس في جهاز الطوارئ والإغاثة التابع لـ “جمعية الإسعاف اللبناني” رشيد مقصود عن الحادثة المأساوية، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “عند الساعة الخامسة والربع مساءً تلقت العمليات خبر انهيار المبنى الذي يقع في منطقة ضيّقة من حيث المساحة ومكتظة بالسكان، وفي شارع لا يُمكن الخروج منه بسهولة أبداً، ما أدّى إلى مسارعتنا إلى التدخل مع فرق إنقاذية أخرى لإسعاف جرحى من عائلة واحدة في المبنى”.

وعن العراقيل التي واجهتها الفرق، يُؤكّد مقصود أنّه منذ فترة يتمّ التواصل مع الجمعيات الإسعافية لتشكيل غرفة عمليات مشتركة “إذ لا يوجد تنسيق موحّد وضروري بين هذه الجهات التي تملك كلّ واحدة منها فريقها بعيداً عن مفهوم الإسعاف العام، الذي لم يسمح بانتشال جثة الطفلة بطريقة صحيحة، فلا يُمكن للمسعف أن يُعلن وفاة الضحية قبل نقلها الى المستشفى مثلًا…”.

ويُضيف: “لقد تعرّضنا للضغط الشديد مع حال الغضب الكبيرة، كما أنّنا لا ننكر أنّنا نعمل باللحم الحيّ بلا تحويلات وبلا اعتراف رسمي بنا بالشكل المطلوب، إذْ ما زلنا نطالب بالـ 4 أرقام الاستثنائية مع أنّنا نقوم بأكثر من 700 مهمّة شهرياً”.

ماذا عن الهيئة العليا للإغاثة؟

في المقابل، وبعد تعليمات من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للهيئة العليا للإغاثة، قام المهندس زياد ديب بتكليف من الأمين العام للهيئة اللواء محمد خير بالحضور الى مكان سقوط المبنى، ليُعلن تكفل الهيئة بــ”تأمين تجهيزات الانقاذ والتواصل مع المستشفيات لتأمين معالجة الجرحى والمصابين، إضافة إلى تأمين بدل ايواء للمبنى المنهار والمبنى المجاور الذي تمّ إخلاؤه”.

ويقول اللواء خير لـ “لبنان الكبير”: “أمّنا لـ 8 عائلات مأوى في الحارة بعد بقائها في الفندق الليلة الماضية، ونحن نسهم بدورنا في مساعدة الأهالي بعد الحادثة ونحدّد ما إذا كان المبنى يحتاج إلى ترميم هندسياً، وذلك يستهدف ورشة قد تستغرق 15 يوماً لدراسة طبيعة الباطون وقدرة المبنى على إعادة بنائه وترميمه أم لا، ولا علاقة لنا بالمخالفة أساساً”.

وإذْ يُؤكّد متابعة الهيئة تعليمات ميقاتي “الواضحة”، يلفت إلى أنّ على كلّ وزارة ومؤسسة كالبلدية، وزارة الداخلية، وزارة المالية والثقافة القيام بما يلزم، مشيراً الى “أننا نحاول المساعدة بميزانيتنا التي تكاد لا تكفي”. ويطالب بـ”ضرورة حصول تنسيق منعاً للفوضى وتجنّباً لحصول أيّة أخطاء وثغرات”.

شارك المقال