كتاب لبنان… “ألف ويلة وويلة”

محمد شمس الدين

“ألف ليلة وليلة” أشهر الكتب في الثقافة العربية، وكان “الحكواتي” في الزمن القديم، يجلس ويخبر من حوله بالقصص المتنوعة المجموعة في هذا الكتاب، وبعضها بالتأكيد مقتبس من الواقع الحياتي لذلك العصر، عصر الملوك والأمراء والسلاطين، ومشكلاتهم ونوادرهم وطرائفهم. ولكل قصة في الكتاب حكمة معينة، كي يستفيد منها القارئ، مما يدفع الى السؤال، ماذا ستكون القصص في كتاب شبيه به لبنانياً؟ وماذا سيكون اسمه؟

منذ بدء الأزمة الاقتصادية، انتشرت الجرائم على مدى لبنان، وأصبحت من روتين الحياة فيه، وآخرها بالأمس في ملهى ليلي، حيث قتل شاب إثر إشكال، كما اعتدي بالضرب والسلاح الأبيض على سائق سيارة أجرة لسرقته، وسبق ذلك مقتل طفل في محل خضار في الضاحية الجنوبية. ولا ننسى الضجة التي أحدثتها منذ فترة جريمة القتل في بلدة الدوير الجنوبية، وسبقتها الجريمة الرباعية في جارتها البعيدة أنصار.

هذه الأخبار وغيرها أصبحت من يوميات حياة اللبنانيين، سرقة هنا، جريمة هناك، مجزرة في مكان آخر، مأساة تلو مأساة، ستعلق في ذاكرة اللبنانيين سنين طويلة، عدا عن طوابير الخبز والمحروقات، وأقساط المعاشات والرواتب، وأزمات لم يشهد مثلها بلد في تاريخه، اضافة إلى الانفلات الأمني. كل ذلك بالطبع سيدخل الكتاب الذي سيكون مقتبساً عن الواقع اللبناني، وإن كان أحفاد البلد استطاعوا أن يجعلوا من لبنان دولة حقة فسيضحكون، أما إن استمرت الحلقة المفرغة من سيطرة رجال اللادولة، فقد يتحسّرون على حاضرنا، لأن واقعهم سيكون أسوأ.

من القصص الأخرى التي ستدخل الكتاب حتماً قصة الملك الذي وزّر صهره وجعله حاكماً بأمر الله… ذلك الصهر الذي لم يترك قطاعاً في البلد إلا وغرز براثنه فيه، فقد استعمل سحره الأسود، ولعن اللبنانيين بالظلام الأبدي، ثم ما لبث أن أكمل لعناته عبر ولاة عيّنهم في الوزارات والقطاعات، فلا البيئة نظيفة، ولا اقتصاد البلد منتظم، أما العدل فهو “جرصة” بكل معنى الكلمة، ولم يكتفِ بكل هذا بل وضع تعويذة على علاقة البلد بمحيطه، بحيث رفع مصلحته الشخصية فوق المصلحة العليا للوطن، مما صدّع علاقة البلد بجيرانه وأًصبح شبه معزول عنهم، بل قد يقال محاصر منهم. وكل هذه التجاوزات والإخفاقات كانت بتغطية من عمه الملك، حتى أنه استطاع ابتزاز أقوى النبلاء في البلد، وأجبرهم على تغطية كل نزواته.

وطبعاً ستدخل في الكتاب، قصة أمير الحرب الذي صدر عفو عنه، ولكنه لا يزال بالعقلية الإلغائية عينها، وأصبح يستخدم سلاحاً جديداً، هو المزايدة، لا يحل، ولا يطرح الحلول، ويرفض أي طرح للحلول من الآخرين، بل يزايد ويحرّض عليهم، ويحاول عزلهم، من أجل كسب تأييد جمهورهم، الذي وضع أمامه شعارات تلمع ذهباً، والمصيبة الأكبر أن كل معاركه ورهاناته كانت خاسرة، وهو اليوم لا يزال يرفض الاعتراف بخطئه الاستراتيجي منذ سنوات عندما فضّل الصين على تايوان.

أما أكبر مأساة سيرويها الكتاب، فهي أن الشعب ثار يوماً، وهزّ عرش الملك والولاة، واستطاع أن يدفع بأوجه جديدة إلى مجلس الأعيان، لكن هؤلاء بدل أن يعملوا لحل المواضيع التي تعنى بالناس ومعيشتها، كانوا عنواناً للعراضات الشعبوية، وأكبر مشاريعهم هي حل مشكلة الميول الجنسية، وكل الشعارات التي خاضوا الثورة من أجلها لم يبدأوا بطرح أي حل لها، هم فقط مثل تلاميذ آخر طاولة في صف مدرسي، يشاغبون ويقهقهون في ما بينهم، ولا يقدمون ما يغني ويفيد، وكل همّهم تسجيل النقاط على المعلمين، وكأن هذا ما يريده الشعب، ربما نسوا أنهم الآن في السلطة، وتسجيل النقاط يكون على منابر الشعبوية، لا السلطوية.

إذا كان كتاب “ألف ليلة وليلة”، جمع طرائف الملوك والسلاطين، فماذا سيكون اسم الكتاب الذي يجمع مصائب اللبنانيين؟ طوابير الخبز، طوابير المحروقات، التفلّت الأمني، إهمال الدولة، أقساط المدارس، الرواتب المنهارة، عزل وحصار، بلد تحول من سويسرا الشرق إلى فنزويلا الشرق، من باب المتوسط إلى نافذة العليّة، مصائب فوق مصائب، لدرجة أن الجيل المقبل قد يكون أمياً، ولذلك ربما يصح أن يكون اسم الكتاب “ألف ويلة وويلة”.

شارك المقال