الناتو يندفع لوقف روسيا والصين في الظل

حسناء بو حرفوش

لا تختصر روسيا جميع التحديات التي يواجهها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ففي الوقت الذي يندفع فيه الى اعادة تمركز قواته لمنع انتشار الحرب الروسية، لا بد أن يدرك أن التحديات التي ستواجهه على المدى الطويل ستأتي على الأرجح، حسب قراءة في موقع “بوليتيكو” الالكتروني الأميركي، من آسيا ومن بلدان أخرى.

وحسب المقال، “على الرغم من أن قادة الناتو يزمعون الإعلان عن جبهة حرب موحدة في قمة مدريد، لا تزال المآزق التي تركها الحلف بلا حلول قبل تدفق القوات الروسية إلى أوكرانيا، تتفاقم. وبالنسبة الى البعض، تمثل الصين وجيشها العسكري الواسع التحدي الكبير التالي لحلف الناتو. وتساءل آخرون عما يعنيه مستنقع حرب أفغانستان بالنسبة الى مستقبل الحلف. وفي العام 2019، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد اعتبر أن الناتو يعاني من “موت دماغي”. ومن ثم أتى التذكير الروسي من خلال فلاديمير بوتين بأن روسيا لا تزال على استعداد للقصف على نطاق واسع من أجل استنزاف دولة بأكملها في الفناء الخلفي لحلف الناتو.

ولمس التحالف العسكري فجأة شعبية متجددة، مع مطالبة فنلندا والسويد بالانضمام إليه، كما وجد عن غير قصد أن عمله التالي يقتضي الدفاع عن حدودها الشرقية وردع موسكو. ووفقاً للديبلوماسي الأميركي المخضرم ألكسندر فيرشبو، ستعد القرارات في قمة مدريد التحالف لمرحلة جديدة من العلاقات مع روسيا، وهذا يعني أن على الناتو “أن يتغير”، لكن هذا لا يعني حل جميع الأسئلة الوجودية للحلف.

ومن المرتقب أن يصادق قادة الحلف هذا الأسبوع على “مفهوم استراتيجي” جديد يحدد المتطلبات والتحديات القصوى، لكن وراء الكواليس، سعى ديبلوماسيو الناتو جاهدين الى مراجعة الاستراتيجية طويلة المدى وإيجاد الحلول الوسط لكيفية تقديم التهديدات والأولويات في الوقت الذي يتصارع فيه الحلف حول ما إذا كان التهديد الروسي اليوم سوف يفسح المجال في النهاية أمام مخاطر أخرى، وعلى الأخص من جهة الصين.

وبينما يستهلك التحالف جهود تسليح أوكرانيا وتمويلها، فإنه يريد في الوقت نفسه الابتعاد عن الصراع المباشر مع روسيا، التي تعد أكبر قوة نووية في العالم. كما أن دفع أوروبا نحو المزيد من الاستقلالية العسكرية الاستراتيجية يظل أيضاً نقاشاً حيوياً، كما هو الحال مع احتمال استعادة قادة الولايات المتحدة المتشككين بالناتو زمام السلطة، بالتوازي مع عدم تراجع الصين والتهديدات الأخرى طويلة المدى.

وبدأ الحلفاء الالتزام بزيادة الإنفاق الدفاعي في الداخل بعد سنوات من التردد. كما قلبت ألمانيا عقوداً من عقيدة ما بعد الحرب العالمية الثانية لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، بينما تخلت السويد وفنلندا عن الحياد العسكري للسعي إلى عضوية الناتو. ويبدو أن هناك اتفاقاً على إعادة تشكيل الناتو نفسه وسط أول حرب شاملة على الأراضي الأوروبية في القرن الحادي والعشرين.

وأضحت المعضلة الأكثر إلحاحاً للتحالف هي كيفية حماية أعضائه الشرقيين الأكثر ضعفاً بشكل أفضل من دون زيادة خطر اندلاع حرب شاملة مع روسيا. ويسلط ذلك الضوء على تاريخ حساس لأعضاء البلطيق مثل ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا، الذين ما زالوا يتذكرون أيامهم كجزء من الاتحاد السوفياتي، ويسارعون إلى تحذير الحلفاء الغربيين من رفض التهديدات العسكرية لموسكو، مع الجدال بعدم رغبة الغرب في مواجهة موسكو على مدى العقد الماضي والإشارة الى الاستجابة الدولية المعتدلة بعد غزو الكرملين لجزء من جورجيا في العام 2008 وضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في العام 2014.

واستجابة للمخاوف، أرسل حلفاء الناتو المزيد من القوات والطائرات والسفن، لكن العديد من الأعضاء الشرقيين يضغطون جهاراً من أجل المزيد ويريدون وجود قوات على نطاق أوسع وأكثر ديمومة في المنطقة. ويشعر العديد من دول أوروبا الغربية أن مثل هذا النهج الدائم قد يغلق الباب من دون داعٍ أمام تحسين العلاقات مع روسيا في نهاية المطاف. وهم يريدون الاحتفاظ بطريق العودة في حال وصول نظام جديد إلى السلطة في موسكو وعودة الحوار الديبلوماسي.

وحالياً، يتخذ الحلف نهجاً وسطياً، بحيث تعهدت ألمانيا بتعزيز وجودها العسكري في ليتوانيا ولكن بحذر وبالتوازي مع التعزيزات التي تأتي جزئياً من القوات المتمركزة في ألمانيا والتي تتناوب عبر البلاد. ومن المتوقع أن يعكس النهج الألماني التسوية التي سيصادق عليها الناتو في قمته المقبلة. وبينما أشارت دول البلطيق إلى انفتاحها على الترتيب المرتقب، فإنه ليس نهجاً من شأنه أن يحسم الجدل الأوسع، خصوصاً في حال استمرار الحرب في أوكرانيا لأشهر أو حتى سنوات.

عدا عن ذلك، تكمن عوامل اقتصادية وراء الانقسامات حول كيفية توزيع القوات والأسلحة، بحيث تعاني القواعد على طول الجبهة الشرقية للناتو من النفقات الدائمة. كما تسارع الدول الأخرى داخل الحلف، وخاصة تلك الواقعة على طول الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، الى ملاحظة مواجهتها الترهيب الروسي بالإضافة إلى مجموعة من التهديدات الأمنية الأخرى التي تتعلق بإمدادات الطاقة والاستخدام السياسي للهجرة غير النظامية والجهاد والإرهاب.

أما عن الثقة في أن الولايات المتحدة ستظل حليفاً ملتزماً في الناتو فتزعزعت بعد أربع سنوات من قيام دونالد ترامب بالاستهانة بالحلف. وعلى الرغم من خطاب الرئيس جو بايدن الثابت المؤيد لحلف شمال الأطلسي، يدرك الأوروبيون أن الولايات المتحدة لا تزال تتطلع إلى تحول الموارد نحو الصين ويمكن أن تتراجع نحو الجمهوريين المتشككين بالناتو.

وفي النهاية، تحوم الصين في خلفية جميع قرارات نشر المزيد من القوات وإنفاق المزيد من الأموال، في أوروبا. وليس من الواضح كيف تؤثر أهداف الصين بصورة مباشرة على التحالف الغربي، لأنها، على عكس روسيا، تمتد عبر شرق آسيا ولا تشترك في أي حدود مع إحدى دول الناتو، عدا عن أن مطالباتها الاقليمية تقع في الغالب على الساحل الشرقي للبلاد، وليس في الفناء الخلفي لحلف الناتو. ومع ذلك، قد تترك العدوانية العسكرية الصينية آثاراً غير مباشرة ومثيرة للقلق. وتعهدت الولايات المتحدة، التي تمتلك أكبر جيش في الناتو حتى الآن، بالدفاع عن تايوان إذا تعرضت للهجوم. علاوة على ذلك، قد تبرز تداعيات اقتصادية هائلة إذا سقطت تايوان في يد الصين، على أوروبا ومعظم دول العالم.

ومن المرجح أن تأتي النتيجة النهائية لقمة مدريد بشكل نص يصف الاصطفاف القوي بين روسيا والصين مع تحديد التحديات الناشئة عن بكين ولكن من دون وصف الصين صراحة كتهديد مباشر لحلف الناتو. وهذا يعني أنه بينما سيضطر الناتو الى اتخاذ بعض القرارات السريعة بشأن روسيا وتمركز قواتها، ستبقى الصين المهيمنة على المداولات في السنوات المقبلة”.

شارك المقال