العالم منشغل بفلسطين… وعون بالانتقام من خصومه

رواند بو ضرغم

ثلاثة ملفات أساسية تنذر بتعذر تأليف الحكومة اللبنانية: انشغال الداخل والخارج بأحداث فلسطين المحتلة وغزة؛ تركيز رئيس الجمهورية ميشال عون على خوض معركة القاضية غادة عون للاقتصاص من خصومه الداخليين؛ والذهاب نحو إيجاد تخريجة لرفع الدعم العشوائي الذي أصبح أمراً واقعاً.

يُخيل للبعض أن مواجهة أي اعتداء اسرائيلي على لبنان يتطلب حكومة قادرة وفاعلة على اتخاذ القرار، الا أن الواقع السياسي اللبناني يظهر ما هو خلاف ذلك، حيث ترى مصادر مطلعة على التأليف والوضع الجنوبي أن أحداث فلسطين ستبطئ عملية تأليف الحكومة، وذلك لغياب الضغوط الدولية على شريكي التأليف لإنجازها، نتيجة انشغال دول العالم بالتصعيد داخل فلسطين المحتلة وبين إسرائيل وغزة، والملف اللبناني بات ثانوياً بنظر هذه الدول مع الحرص على عدم إشعال جبهة جنوب لبنان.

فحزب الله غير “محشور داخلياً” والمشهد جنوباً لن يؤثر على السياسة الداخلية والمفاوضات الحكومية، وهو مستعد للرد على أي اعتداء إسرائيلي، لكنّه لن يفتح الجبهة في انتظارِ قرار الدولة اللبنانية. وهذا ما يفسر الانتشار العسكري على الشريط الحدودي جنوباً، وبين المتظاهرين تفادياً لأي تصعيد أو انزلاق نحو التأزم الأمني. أما على ضفة التأليف فموقفه ثابت لجهة التمسك برئاسة سعد الحريري للحكومة، إنما من غير الضغط على حليفه التيار الوطني الحر لتسهيل التأليف، وهو باق على الحياد بين شريكي التأليف، على الرغم من جهود رئيس مجلس النواب نبيه بري ليكون للحزب موقف حاسم أمام رئيس الجمهورية.

في المقابل، الرئيس ميشال عون لن يُقدم على أي تنازل في موضوع الحكومة، لا بل يدرس الخطوات التصعيدية سياسياً التي يمكن أن تتمثل بمخاطبة اللبنانيين، أو الإقدام على أي إجراء يتيحه له الدستور، ما يؤكد أن لا حكومة، ولا أي تسوية جديدة في الأفق.

اهتمام رئاسة الجمهورية غير منصب على تأليف الحكومة ولا تسعى إليها أساساً، ولا تقدم على أي خطوة إيجابية في هذا الصدد، إنما كل همّ الرئيس عون منصرف الى السير بمخططه في إجراء تحقيق جنائي داخلي وإطلاق يد القاضية غادة عون في هذا الملف، وذلك بهدف الاقتصاص من خصومه، وإدخال حاكم مصرف لبنان الى السجن، وكل من وراءه من السياسيين، كما يتردد في الأوساط السياسية ( بدءاً بالرئيس سعد الحريري مروراً برئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، وصولاً الى الرئيس نبيه بري) هذا الكلام يسمعه كل من يلتقي الرئيس عون، وهذا الإجراء يراد منه أن يقدم العهد شيئا ًمما ادّعاه قبل وصوله الى رئاسة الجمهورية من الاصلاح والتغيير. وتستند هذه المصادر إلى الضغوط التي مارستها رئاسة الجمهورية على أعضاء مجلس شورى الدولة لإبطال القرار الإداري الصادر عن مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. ووفق أوساط الطائفة الدرزية، أجرى رئيس الجمهورية اتصالات مع النائب طلال أرسلان والوزير السابق صالح الغريب ليضغطا بدورهما على أحد أعضاء المجلس الدستوري وهو صهر الغريب، فنجح عون بالحصول على ثلاثة أصوات مع وقف قرار عويدات (مسيحيان ودرزي)، في مقابل أربعة أصوات ضده (سنة وشيعة) وهذا ما يسقط الطعن بحكم الأكثرية العادية.

لكن رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر يقول لموقع “لبنان الكبير” إن تدبير القاضي غسان عويدات إداري من شأنه تنظيم سير العمل لدى النيابات العامة، وبالتالي فهو غير قابل للطعن أمام مجلس شورى الدولة الذي يعتبر جهة غير صالحة للبت بطعون كهذه.

وأخيراً، في ظل التعثر الحكومي جراء المناكفات السياسية، انصرف الاهتمام نحو موضوع الدعم في ظل تبلغ المعنيين من قبل حاكم مصرف لبنان أن المركزي غير قادر على استكمال صرف الاحتياطي. وانقسمت الآراء بين وجهتي نظر: إما صرف الاحتياطي على الدعم أو إعادتها الى المودعين في المصارف، وهذا ما حصل ووافقت عليه كل الاطراف بشرط تنفيذه وإعادة الأموال المتبقية إلى المودعين. وفسرت المصادر استقبال رئيس الجمهورية لحاكم مصرف لبنان بعد انقطاع طويل اعترافاً منه بأن سلامة على حق باتخاذ هذه الإجراءات، وعليه نأى الثنائي الشيعي بنفسه عن موضوع رفع الدعم الذي كان يفترض على حكومة الرئيس دياب إقراره وإرسال قانون البطاقة التمويلية الى مجلس النواب، وأجرى على أساسه الرئيس نبيه بري اجتماعات في عين التينة منذ نحو أسبوعين حضره الرئيس دياب وممثلون عن “حزب الله” إلا أن واقع المصرف المركزي، الذي لا يستطيع الصرف مع بطاقة تمويلية أو عدمها، دفع الثنائي الى النأي بالنفس عن ملف الدعم وسحب ممثليه من اللجنة الوزارية المخصصة لدرس هذا الملف..

وبناءً على كل ما تقدم، فإن الأمور الاجتماعية ستزداد سوءاً، والاشتباكات السياسية ستتفاقم حدة، والحكومة في مهب رياح المناكفات والكيديات والمصالح الضيقة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً