التشكيلة الحكومية… قصة قلوب مليانة و”الطاقة” الحرزانة

هيام طوق
هيام طوق

منذ أن بدأ الحديث عن الحكومة، تكليفا وتأليفا، اعتبر كثيرون ان التكليف وارد لكن التأليف لن يكون سهلا لا بل مساره سيكون معبّدا بالكثير من العراقيل، وان الرئيس المكلف سيسير في حقل ألغام وأي دعسة خاطئة أو ناقصة ستكون بمثابة الفتيل الذي سيشعل الكباش السياسي بين الأطراف خصوصا بين الرئيس نجيب ميقاتي و”التيار الوطني الحر”.

كباش يكاد أن ينفجر على خلفية التشكيلة الحكومية التي قدمها ميقاتي لرئيس الجمهورية بسرعة قياسية وغير مسبوقة، والتي أبقت القديم على قدمه مع بعض التعديلات الطفيفة في الحقائب وفي الاسماء وأبرزها وزارة الطاقة التي سُحبت من ” التيار” لتسند الى وليد سنّو والتي ربما ستحرق بنارها الطبخة الحكومية. خيار رأى فيه البعض خطوة استفزازية من الرئيس ميقاتي لفريق العهد السياسي خصوصا انه أبقى على وزارة المالية من حصة “الثنائي الشيعي” وان تبدلت الاسماء.

التشكيلة التي سُرّبت الى الاعلام، فتحت الباب على مصراعيه للاتهامات المتبادلة بين القصر الجمهوري والمكتب الاعلامي للرئيس المكلف الذي لفت في بيان الى ان “اسماء من سرّب التشكيلة ومن سُرّبت اليه من الصحافيين معروفة وموثقة بالوقائع والادلّة، ومن الافضل ان لا يلعب “المسرّبون” بنار تؤذي زملاء نحترمهم ونقدرهم. كما ان عجلة التسريب فضحت المسّرب الذي ابقى على علامات بالغة الدلالة على النسخة المسرّبة، ففضحته. والقصد من تسريب التشكيلة واضح للعموم، والرسالة وصلت، ونعلن وقف السجال لانجاح السعي الحثيث لتشكيل الحكومة وصونا لمقام رئاسة الجمهورية”. فيما نفت مصادر قصر بعبدا التي وجهت اليها الأصابع بأن تكون مصدر تسريب التشكيلة الحكومية، مشيرة الى انه “ليس من عادة دوائر القصر اعتماد هذا الاسلوب وان ما تريد بعبدا قوله او نشره توزعه بالطرق الرسمية وفقا للأصول”.

هذه الاتهامات الشكلية ليست سوى التعبير عن ان “القصة ليست قصة رمانة انما قلوب مليانة” ففي الوقت الذي برّر ميقاتي خطوته الخاطفة “بالخيارات الضيقة جدا ولأن الوقت مهم جدا” كما قال لرئيس الجمهورية: “الكل تعفف عن المشاركة، وانا عملت على هذه الصيغة، باعتبار ان الحكومة الحالية موجودة وفيها وزراء جيدون، لذا اجريت تعديلا بسيطا طال بضعة حقائب، ادرسها واترك لي ملاحظاتك”، قرأت مصادر ان ما قدمه ميقاتي دليل على انه لا يريد تأليف حكومة جديدة، وهو مرتاح مع حكومة تصريف الاعمال، ولا يرغب بحكومة جديدة قبل نهاية العهد الحالي.

وفي هذا الاطار، علم موقع “لبنان الكبير” ان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عقد اجتماعا للوزراء المحسوبين عليه في حكومة تصريف الاعمال وطلب منهم عدم التجاوب ومقاطعة اي جلسة يدعو لها ميقاتي لتعويم حكومته في حال تأخر البت بتشكيلة حكومية جديدة.

انطلاقا من هذا الواقع المشحون الذي يزيد في المشهد الحكومي ضبابية، وعلى الساحة السياسية تصعيدا، لا بد من التساؤل: هل حصل توافق من تحت الطاولة بين الرئيس ميقاتي والرئيس نبيه بري ورئيس حزب “القوات” سمير جعجع لعدم تشكيل حكومة في نهاية ولاية العهد؟. هل يقدم ميقاتي تشكيلة جديدة أو سيبقي على تشكيلته محط تشاور وتعديل من رئيس الجمهورية؟. وهل الرئيس ميقاتي المعروف بحسن تدوير الزوايا أراد أن يعكس الادوار ويستفز مَن كان يستفزه خصوصا انه يعلم ان رئيس الجمهورية لن يتخلى عن عناده فيما يعتبره حقاً له؟. وماذا يمكن أن تقدم التشكيلة الجديدة طالما هي نسخة عن حكومة تصريف الاعمال مع التعديلات الطفيفة التي لم تطَل الحقائب الوازنة والدسمة؟.

أوضح النائب السابق علي درويش انه “بعد الاستشارات تبين ان الجميع يطالب بحكومة على وجه السرعة، وهو يعلم انه في المرحلة الحالية لا يمكن الدخول بحكومة جديدة كليا لأنه حينها سيكون هناك مخاض طويل وهذا ما يريد تفاديه الرئيس المكلف خاصة ان عامل الوقت هذه المرة ضاغط أكثر من كل مرة، والكل يجمع على ان هناك ملفات يجب استكمالها”، مشيرا الى ان “التعديل في الوزارات يتم بين الرئيسين، وقد يكون ما تم تسريبه في التشكيلة الحكومية صحيحا أو غير صحيح، ونفضل ان تستمر أمور التأليف قيد الكتمان الى ان يتم التوافق بين الرئيسين على صيغة معينة”.

ولفت الى ان “الرئيس ميقاتي واضح والتشكيلة واضحة، وهو لا يعالج الشؤون الوطنية من باب المناورة. هناك واقع يحتاج لحكومة كاملة الصلاحيات ولا أحد يتوهم ان حكومة تصريف الاعمال هي أفضل للبلد لأنها تصرف الاعمال بالحد الادنى وليس لديها صلاحية اتخاذ القرارات. نحن محتاجون لحكومة تتخذ القرارات. الرئيس ميقاتي ليس مضطرا للمناورة لا بل هو جدي أكثر من أي وقت مضى لتشكيل حكومة كاملة الصلاحية، وهذا ما يسعى له فعليا، وحين يقدم تشكيلته انطلاقا من الحكومة القائمة أفضل بكثير من الدخول ببازار حكومي جديد”.

وسأل درويش: “عندما يقدم الرئيس المكلف مسودة قابلة للنقاش، كيف يمكن ان يكون مستفزا؟ الامر تشاوري بين الرئيسين وليست المسألة دق إسفين بينهما. وفي المرحلة الماضية كان هناك تعاون وتفاهم بين الطرفين، وهذا التعاون أدى الى نتائج مثمرة”.

وتابع: “نتوقع الرد على التشكيلة في وقت قريب لأنه كلما جاء سريعا كلما كان أفضل”، مؤكدا ان “الرئيس ميقاتي منفتح على كل الافكار، وهو في انتظار رد رئيس الجمهورية على التشكيلة، ومستمر في سياسة تدوير الزوايا للوصول الى نتيجة ايجابية”، كاشفا ان “اللقاء الاخير مع الرئيس كان جيدا وهادئا. يجب أن نأمل بولادة حكومة كاملة الصلاحيات من أجل مصلحة الجميع”.

وشدد على ان “الاجواء ليست سوداوية كما يتم التداول به وممكن أن تأخذ الامور منحى جيدا، والرئيس المكلف سيقوم بكل ما يلزم للوصول الى نتيجة ايجابية”.

أما مصادر “التيار الوطني الحر”، فاعتبرت ان “الرئيس ميقاتي لم يكن جديا في طرحه ، ويقدم التشكيلة شكليا وليس ليقبلها رئيس الجمهورية. فهو يستخدم أسلوبا مغايرا عن السابق، وحين يكون جديا في الاسماء حينها يكون رئيس الجمهورية جديا في التعاطي”.

ورأى انه “عندما يتم سحب وزارة من وزن وزارة الطاقة من الطائفة المارونية هذا يعني اخلالا بالتوازن بحيث وسّع الحصة السنية على حساب الطائفة المارونية”، مشيرا الى انه “ليس لدى رئيس الجمهورية رفضا بالمطلق وليس هناك قبولا بالمطلق، لكن مجرد ان الرئيس المكلف انطلق من تشكيلة تعتبر تكنوقراط ونحن في مرحلة سياسية دقيقة (ملف ترسيم الحدود البحرية واعادة النازحين والاستراتيجية الدفاعية)، يعني ان هناك استخفافا في التعاطي”.

وشدد على “اننا نريد حكومة اليوم قبل الغد لأن هناك ملفات لا يمكن ان تقوم بها حكومة تصريف الاعمال”، لافتا الى ان “باسيل ليس لديه وزراء محسوبين عليه في الحكومة”، مؤكدا ان “الصورة ضبابية والقرار ليس لدينا. ولا أرى انه هناك حكومة بل سيتم التلهي بالمسودات”.

شارك المقال