العقوبات الاقتصادية: بين موسكو وواشنطن… من الذي يتألم أكثر؟

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تجتمع فيه دول الناتو في مدريد هذا الأسبوع، يبقى الحفاظ على وحدة الحلف ضد العدوان الروسي على رأس أولويات الرئيس الأميركي جو بايدن. ولكن مع انتشار التداعيات الاقتصادية للحرب وتمددها إلى ما هو أبعد من أوروبا الشرقية، قد يشكل الحفاظ على دعم الأميركيين لأوكرانيا وسط التداعيات المتزايدة في الداخل، التحدي الأكبر، حسب قراءة في موقع “أي بي سي نيوز” (ABC News) الالكتروني الأميركي.

ووفقاً للقراءة، “ارتفع متوسط ​​سعر غالون البنزين في الولايات المتحدة من 3.50 دولار إلى 5 دولارات، بالتزامن مع ارتفاع المخاوف من التضخم قبل الحرب الأوكرانية. وتعهد بايدن ببذل كل ما في وسعه لتعزيز الاقتصاد الأميركي، واعداً بالقضاء على الاقتصاد الروسي، كما تعهد بجعل الرئيس فلاديمير بوتين يدفع ثمناً باهظاً للتحريض على الصراع. ولكن حتى الآن، سمحت الأسعار العالمية المرتفعة لروسيا بجني عائدات أعلى من صادراتها من الوقود، حتى مع انخفاض هذه الصادرات.

واستفسرت قناة ABC News من الخبراء حول أي عواقب غير مقصودة للعقوبات المالية المفروضة على روسيا لها والأدوات الأخرى التي يمكن أن تستخدمها إدارة بايدن لمواجهة عدوان بوتين بشكل لا يؤذي المستهلكين الأميركيين. ويؤكد الاقتصاديون أن الإجراءات ستستغرق وقتاً لإظهار تأثيرها الحقيقي على روسيا، عندما يتعلق الأمر بتقويم فعالية عقوبات الحلفاء واستراتيجية الحظر.

وحسب المحامية الدولية جينجر فولك، هناك دليل على أن السياسات حملت “نتائج عكسية. فلم تمنع العقوبات روسيا من مواصلة حربها ولا تهدد حتى سيطرة بوتين على السلطة في روسيا. وحتى الآن تمكنت روسيا من زيادة إنفاقها على الحرب على الرغم من هذه العقوبات”. وبينما قد يلقي بايدن باللوم على “ارتفاع أسعار بوتين” التي تسببت بالألم للأميركيين ترى المحامية أن القصة أبعد من ذلك. وقالت فولك إن “الارتفاع في أسعار الغاز الذي يشهده الناس سببه الكثير من العوامل، لكن أحد العوامل الرئيسة هو تجنب النفط الروسي في الأسواق العالمية. أعتقد أننا لو تعاملنا مع الحظر بطريقة أكثر استراتيجية في البداية، لما تسبب بذلك التأثير”.

بدوره، يجادل دوغلاس ريديكر، الباحث في برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكينغز، بأنه بخلاف سياسات إدارة بايدن، كان لتقلبات الحرب في سلاسل التوريد وتضاؤل ​​الرغبة في التجارة مع روسيا دور أكبر بكثير في ارتفاع التكاليف. وقال ريديكر: “تسبب غزو بوتين لأوكرانيا إلى حد ما بارتفاع الأسعار، وليس رد فعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليها. وارتفعت أسعار البنزين لكن ليس بشكل أساس بسبب العقوبات التي فرضناها على روسيا. لقد ارتفعت بسبب التأثير العام على سلاسل التوريد وعلى التجارة وتقليل الرغبة في التعامل مع روسيا”.

وأدى انخفاض عدد العملاء الراغبين في التعامل مع الكرملين إلى قيام دول أخرى مثل الصين بالحصول على النفط الروسي بأسعار مخفضة. لكن بدلاً من محاولة إعاقة الدول التي تعارض الولايات المتحدة وحلفاءها، يقول الخبراء إن فرض حد أقصى للسعر على المبلغ الذي يمكن أن يدفعه المستورد مقابل النفط الروسي قد يكون استراتيجية أفضل. ويدعو الخبراء المشرّعين المعنيين الى اعتماد عقوبات “أكثر ذكاء. ولذلك، ترى وزارة الخزانة والبيت الأبيض يتحدثان عن خفض السعر الذي تتلقاه روسيا مقابل النفط نفسه من دون سحب تلك البراميل من السوق العالمية”.

وفي الواقع، كان هذا الاقتراح مطروحاً على الطاولة في اجتماع دول مجموعة السبع هذا الأسبوع، حيث قال مسؤول أميركي إن قادة الاقتصادات الأكثر تقدماً في العالم كانوا قريبين “من اتفاق بشأن آلية من شأنها أن تحدد سقفاً عالمياً لأسعار النفط الروسي من خلال فرض قيود الشحن على أي منتج يتم شراؤه فوق حد معين”. ولفت مسؤول كبير إلى أن “الهدف هنا هو تجويع روسيا وتجويع بوتين لمصدره الرئيسي للنقد، وإجباره على خفض أسعار النفط الروسية للمساعدة في تخفيف تأثير حرب بوتين”. وأشارت فولك في هذا السياق إلى أن “إرسال النفط إلى الصين أو الهند أكثر تعقيداً وتكلفة من إرسال النفط إلى أوروبا”. هذه التكاليف اللوجيستية المتزايدة وخصم العقوبات سيؤثران على الإيرادات الروسية. وأظهرت إدارة بايدن استعداداً للعمل من أجل زيادة كمية الوقود المتاحة للسوق العالمية، حتى لو كان ذلك يعني التودد إلى شركاء تجاريين آخرين.

ومع ذلك، وفي ظل عدم وجود حل مباشر، قد يتضاءل الدعم للحرب. ومع استمرار الحرب، قد يظل الرأي العام الأميركي داعماً لأوكرانيا. لكن السؤال يبقى مفتوحاً، هل الأميركيون مستعدون للاستمرار بتقديم التضحية؟”.

شارك المقال