حرية الصحافة في لبنان… تراجع “بلا حدود” ينذر بالأسوأ؟

تالا الحريري

الصحافة كلمة الحق لازهاق الباطل. مثال الحريّة على الرغم من كل التحديات والتعديات. قلمٌ جريء بيد صحافي يلتزم القانون ولا يهاب تهديدات كل من يحاول قمع هذه الرسالة. على الرغم من أنّ الصحافة هي مرآة العالم، إلّا أنّها تشغل الحيز الأكبر من المجال السياسي خصوصاً، فمتكأ السياسة الوحيد هو الصحافة.

سجل لبنان في التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2022 المرتبة 130 بين 180 دولة، ليتراجع 23 مرتبة بعدما كان في الـ 107 العام الماضي، وذلك حسب التقرير الذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود”. تراجع الصحافة في لبنان “بلا حدود” خلال عام واحد فقط، لا يعتبر مبشّراً.

إلى جانب الاحتقار الذي يتعرّض له الصحافي أحياناً، ومحاولات تجاهله وطمس هويته المهنية في أحيان أخرى، يحاول بكل السبل إتمام واجبه تجاه مهنته ومؤسسته الا أن ذلك لا يمنع تعرضه لرادع يجعله يكسر بعضاً من القواعد ليحصل على ما يريد. في الجانب الآخر قد نرى صحافيين تخلّوا عن إلتزامهم بأخلاقيات المهنة كي يبرزوا. هذه الأسباب الفرعية ساهمت في تراجع الصحافة في لبنان من حيث العمل، لكن تبقى العوامل الأساسية حسب منظمة “مراسلون بلا حدود” هي: السياق السياسي لكل دولة، الإطار القانوني لعمل الصحافيين، السياق الاقتصادي، السياق الاجتماعي والثقافي، والأمان المتاح للصحافيين في عملهم.

القصيفي: نحمي الصحافيين بالقانون

بإعتقاد نقيب المحررين جوزيف القصيفي أنّ “منسوب الحرية الصحافية في لبنان قد تراجع بالفعل، ولكن لست متأكداً من نسبة تراجعه التي ذكرها تقرير منظمة مراسلون بلا حدود. هذه جمعية محترفة وموثوقة لكن ليس بالضرورة أن تكون إحصاءاتها دقيقة بالقدر الذي يسمح بتعيين نسبة محددة، فيمكن أن تكون النسبة أكثر أو أقل ولكن في المحصلة من الواضح أنّ هناك تراجعاً في منسوب الحرية والأمر يتفرع إلى أسباب عدة”.

وعدّد في حديث لـ “لبنان الكبير” الأسباب قائلاً: “أولاً: هناك توتر سياسي كبير وحاد أدى الى ارتفاع وتيرة الخطاب السياسي، وبالتالي كان لذلك تأثير مباشر على الاعلام في شقيه الملتزم والمستقل. وهذا الأمر جعل مساحة الحرية ومساحة التعامل الديموقراطي مع المواقف السياسية الصادرة على اختلافها تضمر أكثر فأكثر ما أدى الى أن تصبح مساحة الحرية أقل، وخصوصاً بوجود خطاب الكراهية والتخوين والاتهامات التي لم تقتصر على فئة دون الأخرى بل كانت سمة هذه المرحلة، وهذا الأمر أثر سلبياً. ثانياً، هناك قوى اقتصادية واجتماعية نافذة ولها تأثير كبير على أصحاب الصحف والمؤسسات الاعلامية، وهذا الأمر جعل تقبل الرأي المناهض لهذه القوى من المستحيلات، وبالتالي كاد أن يكون الاعلام في هذه الوسائل أحادياً بسبب هذا التدخل وتوجيه هذه الوسائل نحو المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجماعات الداعمة للمؤسسات”.

أضاف القصيفي: “أما السبب الثالث فهو أن هناك قوى خارجية ومتنوعة أيضاً تدعم وسائل اعلام كبيرة وكثيرة، وحضورها في هذه المؤسسات طاغ جداُ. وبالتالي لا مجال معها للرأي الآخر واذا كان ثمة مجال، فيكون محدود الحضور والفاعلية. وفي هذا أيضاً نوع من الحد من حرية الاعلام وحريته في ابداء رأيه في هذه الوسيلة. رابعاً، مقاضاة الصحافيين أو محاولة التذاكي على القوانين، تتجاوز قانون المطبوعات في ملاحقة الصحافيين، فيما هذه الملاحقة يجب أن تتم وفق هذا القانون على أن يمثل الصحافي في موضوع النشر أمام محكمة المطبوعات، التي تحدد ما اذا كان يرتكب مخالفة أم لا. وألفت إلى عدم استخدام مصطلح جريمة النشر لأن الصحافي ليس مجرماً”.

ولفت الى أن “هذه السنة لم تحصل أي اغتيالات أو خطف لأي صحافي. قد تكون حصلت تهديدات شفوية أو هاتفية أو محاولات اعتداء محدودة، لكن الطابع العنفي المباشر ضد الصحافة كان غائباً الى درجة كبيرة وهذه نقطة ايجابية”.

بالنسبة الى كل هذه العوامل، ألا تُعتبر تجاوزات الصحافي عاملاً أيضاً في تراجع حريته؟ أجاب القصيفي مؤكداً على ذلك “لأنه برأيي الشخصي لا شيء في الحياة من دون ضوابط وقوانين. ممارسة مهنة الصحافة في كل العالم خاضعة للقوانين، هناك قوانين لينة ومرنة تعطي الصحافي هامشاً أوسع بكثير من الحرية التي يتمتع بها الصحافي اللبناني أو العربي، لكن تبقى هناك ضوابط. وفي الدول الأوروبية هناك مدونة سلوك ومجلس اعلامي، وهذه الهيئة تراقب بدقة وعن كثب الأداء الاعلامي للصحافيين والاعلاميين وتدرس طريقة عملهم وسلوكهم وأخلاقياتهم. كما أنّ هناك تدابير بحق المخالف وفق أهمية الحالة وبالتالي حتماً عندما يتجاوز الصحافي اطار الأخلاقيات يعرض نفسه للمساءلة ولمواجهة مباشرة مع من يعتبر نفسه متضرراً من سوء ممارسة مهنته وتجاوزه”.

وعن كيفية حماية الصحافيين، شدد القصيفي على “أننا نحمي الصحافة بالقانون، والاعتراض، والتحرك الفوري للأجهزة المختصة لضمان حمايتهم، وعندما يثبت لنا بالوقائع من يقف خلف الاعتداء نمارس حقنا في ملاحقته والقيام بالمراجعات التي تضع الأمور في نصابها”.

الكعكي: حماية الصحافي في بلد فلتان غائبة

أما نقيب الصحافة عوني الكعكي فرأى في حديث لـ”لبنان الكبير” أنّ “شيئأً لم يتغيّر في عمل الصحافة منذ حوالي 10 سنوات حتى الآن. لكن هذا التراجع لا يعني أنّ الصحافة ستشهد إنعداماً يوماً ما”، معتبراً أنّ العامل الأساس لتراجع حرية الصحافة في لبنان يعود إلى “وجود الاغتيالات والسلاح، وحماية الصحافيين في بلد فلتان كلبنان غائبة”.

أبو زيد: التبعية السياسية لوسائل الاعلام تحد من حريتها

وفي السياق نفسه، أكد رئيس نادي الصحافة الاعلامي بسام أبو زيد لـ”لبنان الكبير” أنّ “أي صحافي في لبنان معرض للتهديدات والشتائم التي تحاول اخافته وردعه عن متابعة تحقيقه الصحافي، حتى قد يصل الأمر إلى تلقيه تهديدات بالقتل وهذا من أهم العوامل التي تؤدي إلى تراجع حرية الصحافة في لبنان. إضافةُ إلى تبعية وسائل الاعلام لجهات سياسية ما يحد من حرية الصحافة، التي تتحول حينها الى وسيلة ابتزاز، وإلى منصة لمهاجمة الآخرين والتعمية على الحقائق. هنا تصبح الصحافة مهددة وبالتالي تنتقص من صدقيتها وموضوعيتها”.

وشدد على أنّ “لبنان يخسر تباعاً الحريات التي يتمتع بها خصوصاً حرية الرأي والتعبير. فلا يمكننا نسيان أنّ هناك صحافيين يتعرضون لإغتيال ومحاولات إغتيال، وهناك أشخاص قتلوا من أجل آرائهم فقط وهذا يعتبر شيئاً خطيراً جدّاً”.

وقال: “المشكلة أنّه لم تتم معاقبة من قام بهذه الأعمال ومن اعتدى على الصحافيين أو من حاول ترهيبهم، وبالتالي هذه العملية مستمرة وستستمر لأن الدولة غائبة والقضاء غير موجود، حتى الكيان الصحافي غير متضامن مع بعضه البعض. ولا أعرف كم يتمتع الصحافيون بأخلاقيات تجاه بعضهم البعض ويحاولون حماية بعضهم أم أنّهم يستخدمون علاقاتهم في محاولة الاضرار ببعضهم البعض”. ولفت الى أن “من غير الممكن أن تنعدم الصحافة. وبالنسبة الى الصحافي الذي لا يلتزم بأخلاقيات المهنة، هو نفسه الذي لا يلتزم أيضاً بأخلاقيات التعاطي اليومي وهذه مشكلة تربية وثقافة”.

شارك المقال