لعبة التأليف… ملء الفراغ في الوقت الضائع

هيام طوق
هيام طوق

بعد حرب البيانات على جبهتي القصر الجمهوري والسراي الحكومي، دخلت البلاد في هدنة سياسية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي إذ اتفق الطرفان على اعادة مياه التشكيل الحكومي الى مجاريها بعيدا عن الاعلام والتسريبات. ونجح التواصل بينهما في تبريد الارضية السياسية وتحضيرها الى لقاء جرى صباح أمس في بعبدا، ودام 22 دقيقة، خرج بعده ميقاتي من دون الادلاء بأي تصريح، لكن المعلومات أشارت الى انه عاتب الرئيس عون وأبدى أمامه استياءه من تسريب تشكيلته الحكوميّة السابقة، معتبراً أن هذا الأمر لا يجوز، وقدم له تشكيلته الجديدة التي أجرى عليها بعض التعديلات الطفيفة. واستمهل عون الرئيس المكلف وطلب المزيد من الوقت لدراسة التعديلات الجديدة إذ أشارت رئاسة الجمهورية في بيان الى أن لقاءً آخر سيُعقد بداية الأسبوع المقبل، لاستكمال البحث والتشاور.

وبين من يقول ان ميقاتي يفاوض من موقع القوة هذه المرة، لأنه يمسك الحبل من طرفي التأليف والتصريف وانه لن يقدّم تنازلات ويعمد الى تدوير الزوايا كالسابق مع عهد أصبح على باب الرحيل، ومن يرى ان الرئيس عون لن يقبل بالتعامل معه من موقع الاستضعاف أو الاستفزاز، استحوذ اللقاء بين الطرفين أمس على اهتمام الجميع لمعرفة مضمونه والملاحظات التي وضعها رئيس الجمهورية على المسودة الاولى إذ تداولت المعلومات انه استوضح من ميقاتي المعايير التي اتّبعها والتي أدت الى استبعاد بعض الوزراء دون سواهم واستبدال بعض الحقائب مع التأكيد على مبدأ المداورة وعدم التمسك بوزارة الطاقة واعتماد المعايير الموحدة في التركيبة الوزارية.

ووفق مصاد مقربة من ميقاتي لـ”لبنان الكبير”، فإن الرئيس المكلف سيقوم بكل ما أمكن لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، وعلى الرغم من الاجواء غير التفاؤلية لجهة التأليف، إلا انه لا يمكن استبعاد هذا الخيار لأنه وارد، وإلا لكانت توقفت اللقاءات بين الرئيسين مع العلم ان حركة الذهاب والاياب الى بعبدا لن تستمر الى أجل غير مسمى، ولا يجوز فتح “بازار” حكومي لأن الوقت يداهم الجميع كما ان المجتمع الدولي يحفّز الرئيس المكلف على عدم التلهي لوقت طويل في تشكيل حكومة يعترضها الكثير من التعقيدات، والاستدارة نحو حكومة تصريف الاعمال لتفعيل الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي.

وتردّدت المعلومات عن ان عون طرح على ميقاتي فكرة توسيع الحكومة الى 30 وزيرا على أن تضم أعضاء سياسيين ووزراء دولة خصوصا ان فريق رئيس الجمهورية يصر على حكومة مؤلفة من سياسيين لأن المرحلة وإدارة ملفاتها سياسية بامتياز، في حين ان أوساط الرئيس المكلف تعتبر ان المرحلة اقتصادية والملفات الاقتصادية أولوية، وبالتالي، فهي بحاجة الى خبراء واختصاصيين لمواكبة خطة التعافي.

وإذا كان التأليف الحكومي سيوضع على نار هادئة خلال عطلة نهاية الاسبوع خصوصا ان التركيز سيكون على اجتماع وزراء الخارجية العرب اليوم ولقاءات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط مع الرؤساء الثلاثة وما يمكن أن ينتج عنها، فلا بد من الاسئلة: هل سيقبل رئيس الجمهورية التشكيلة الجديدة؟ وما الجديد فيها؟ وهل يعود الرئيس المكلف عن قراره عدم تلبية شروط النائب جبران باسيل لتسهيل التأليف؟. واذا كان “التيار الوطني الحر” تنازل فعليا عن وزارة الطاقة، فما هي الحقيبة التي ستكون بديلا وتوازي أهمية “الطاقة” بالنسبة له؟.

اعتبر الكاتب الصحافي والمحلل السياسي حسن الدّر ان “المعطيات الحالية تشير الى ان تشكيل حكومة جديدة مستبعد، وكل ما يحصل على هذا الصعيد ليس سوى تسجيل نقاط بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. الرئيس ميقاتي لن يساوم فريق رئيس الجمهورية والأخير من مصلحته أن تبقى حكومة تصريف الاعمال لأنه في حال حصل التأليف سيشارك فيها الجميع. وأهون الشرور على التيار الوطني الحر هو أن تستمر حكومة تصريف الاعمال”، مشيرا الى ان “رئيس الجمهورية يعلم ان الرئيس المكلف من خلال تقديمه تشكيلته الاولى يريد زركه في الزاوية، وردّ عليه الرئيس عون بالطريقة عينها من خلال الملاحظات”.

واستغرب الدّر “إشارة رئيس الجمهورية الى تبديل في الوزارات تطال طوائف دون سواها وكان الافضل ان يتحدث عن التبديل بين وزارات فاعلة وغير فاعلة”، مشددا على ان “ما يحصل في التشكيل هدفه ملء فراغ في الوقت السياسي الضائع”.

وأشار إلى أنّ “ميقاتي غير مستعجل ومرتاح الى وضعه وفريق رئيس الجمهورية من أكثر المتضررين اذا تألفت حكومة جديدة لأنها لن تلبي طلباته. ميقاتي وعون لديهما مصلحة في استمرار حكومة تصريف الاعمال. أما تكرار الزيارات الى بعبدا فأمر طبيعي كي يظهر كل طرف أمام الرأي العام انه يقوم بما يلزم، لكن هذا لا يطعم خبزا”.

وأكد ان “أي ملف أساسي ورئيسي داخلي، مرتبط بالتطورات الخارجية، لن يرى أي ايجابية أو حلحلة في ظل هذا العهد، كما ان أي حل سياسي كبير في لبنان لن يحصل قبل الحل في المنطقة أقله على مستوى ترسيم الحدود والاتفاق النووي مع ايران. الكل يعلم ان هناك مرحلة أربعة أشهر فاصلة”، لافتا الى ان “التيار لديه مصلحة في ابرام اتفاق مع صندوق النقد قبل نهاية ولاية العهد الحالي”.

ولفت الى ان “اقتراح رئيس الجمهورية توسيع الوزارة الى 30 وزيرا هدفه الخروج من خانة اتهام الرئاسة الاولى بالتعطيل”، مؤكدا انه “ليس هناك من مصلحة على المستوى الاقليمي والدولي ان ينفجر الوضع في لبنان لكن في النتيجة نحن أمام أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة لا نعرف كيف ستتبلور”.

أما المحلل السياسي أمين بشير، فاعتبر ان” ما يحصل في التشكيل الحكومي يثبت نظريتين: أولا، نية رئيس الجمهورية ان يكون لديه الثقل الوازن لفريقه السياسي في التشكيلة والا لن يوقع عليها. ثانيا، الرئيس ميقاتي يحاول اظهار نفسه انه يقوم بواجباته ويقدم تشكيلات حكومية لكنه ضمنيا يفضل عدم التأليف في العهد الحالي. لذلك انها لعبة القط والفأر، وتبادل رمي الكرات بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي”.

ولفت الى ان “المعطيات الحالية تشير الى ان لا حكومة وليس هناك من تفاؤل على هذا الصعيد لأن الرئيس ميقاتي ليس مستعدا لتقديم تنازلات لفريق رئيس الجمهورية كما ان الأخير لن يقبل بحكومة لا يرضى عنها في هذه المرحلة الحساسة”.

ورأى ان “ملف وزارة الطاقة مستعر ويحرق اليد التي تمتد اليه، وتمسّك “التيار الوطني الحر” به لم يأت من فراغ بل لأنه يعلم مدى الفساد الذي سينكشف فيه في حال انتقلت وزارة الطاقة لفريق آخر. وبالتالي، التأليف الحكومي يتّخذ الطابع الشخصي وليس السياسي بمعنى ان همّ هذا الفريق الحفاظ على سرية الماضي وأن تُطوى هذه الصفحة ولا تنكشف الملفات واختلاس الاموال العامة”.

وأشار الى ان “عدم التمسّك بوزارة الطاقة، مناورة لأن ” التيار” يعلم مسبقا ان “الثنائي الشيعي” لن يتخلى عن وزارة المال، وبالتالي، المعاملة بالمثل والتمسك بالطاقة ضمن وحدة المعايير”، مؤكدا ان “الحديث عن توسيع الوزارة الى 30 وزيرا اذا كان صحيحا يعني ان رئيس الجمهورية وضع كل العصي في دواليب التشكيل، وصعّب المهمة أمام ميقاتي وكأنه أعطاه تمرينا رياضيا غير قابل للحل. وهنا تكون المناورة الفعلية لتطيير التشكيل نظرا لصعوبة ارضاء الكتل المتعددة باعتبار تأليف حكومة من 4 جهات أسهل بكثير من ان تكون مؤلفة من 8 كتل، والدخول في لعبة الحصص والحقائب. طلب توسيع الحكومة تعجيزي وكأنه يطلب منه الاستعجال في اتخاذ القرار النهائي في الشأن الحكومي”.

شارك المقال