فلتكن حرباً على التشيع السياسي! 

محمد الساعد (كاتب سعودي)

إن الاسلام السياسي هو لعنة هذه المنطقة ونكبتها الأبدية، وقد شنت دول الاعتدال العربي خلال السنوات الماضية حرباً صريحة وشاملة على “الاسلام السياسي السني” ممثلاً في جماعة “الإخوان المسلمين” و”داعش” و”القاعدة” وحرّمتها وأعلنتها جماعات ارهابية، ونجحت نجاحاً كبيراً ومشهوداً، ومن أدلة ذلك احتفال العرب والمسلمين مؤخراً بذكرى إزالة حكم جماعة الإخوان في مصر، الإنجاز الذي ما كان ليتم لولا بسالة الجيش المصري وإقدامه وشجاعة دول الاعتدال العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

لكن هذه الحرب لم تضع أوزارها بعد، فمن حين لآخر تستيقظ خلايا نائمة لهذا الفصيل وذاك، أو تكتشف خلايا جديدة لهذه الميليشيا وتلك، وأسباب ذلك معروفة، منها وجود دول إقليمية داعمة ومغذية للإرهاب، ووجود نظير آخر يقف في طرف مقابل اسمه “التشيع السياسي”، لكنه لم يأخذ حقه من الاهتمام.

التزاوج بين الاسلام السياسي الشيعي والسني قائم منذ بواكير ظهور حركة “الاخوان المسلمين” على الساحة بدايات القرن الماضي، وقد حرص الاخوان على بناء علاقة تخادم معلنة وسرية مع فصائل التشيع السياسي.

حركة الخميني في نهاية السبعينيات الميلادية، في جزء منها كانت بسبب تعلمه على أدبيات الاخوان، ومنها استنسخ ميكانيزم الحركة وأعلن نفسه مرشداً للتشيع السياسي في المنطقة والعالم، وهي بلا شك نسخة طبق الأصل من فكرة المرشد العام للاخوان.

ولعنا نتذكر طوابير “الاخوان المسلمين” الذين هبوا لمباركة الثورة الإيرانية عند قيامها في 1979.

هذا التزاوج بين قوتين متطرفتين تدثرتا بالاسلام زوراً، أثمر تناسلاً لقوى التطرف – السني الشيعي – نتج عنها “القاعدة” و”داعش” و”حماس” والحوثيين و”حزب الله” والميليشيات الشيعية في العراق والبحرين. 

إن وجود الاسلام السياسي الشيعي هو سبب تغذية الاسلام السياسي السني وإحيائه كلما مات، فالعاطفة الدينية تطغى في منطقتنا، والتفاف الشيعة حول إسلامهم السياسي يسبب رد فعل مساوياً له في المقدار والاتجاه، أي التفاف السنة حول إسلامهم السياسي، والمتضرر من هذه اللعبة المميتة معروف: الاسلام – الحقيقي – والمنطقة، فالاسلام السياسي مرادف للكفر السياسي وازدهاره لن يكون إلا على حساب الإسلام وتشويه سمعته، تدفع المنطقة ثمناً فادحاً له بإراقة الدماء وانهيار الدول. 

التساكن والتكافل والتخادم بين الاسلام السياسي السني وبين الاسلام السياسي الشيعي واضح في أكثر من دولة: منها اليمن وسوريا والعراق (وكلها دول تدور في فلك محور الممانعة المجرم)، واللبنانيون بالذات شهدوا هذا التكافل الحرام بأم العين في العقود الماضية، ولا بأس من التذكير:

  • كيف أعلن الرئيس فؤاد السنيورة الحرب على تنظيم “فتح الاسلام” الإرهابي في مخيم نهر البارد؛ بينما أعلن الأمين العام لميليشيا “حزب الله” حسن نصر الله أن نهر البارد خط أحمر. 
  • صفقة العار بين “حزب الله” و”داعش” في ٢٠٢٠ بمغادرة الدواعش في باصات سياحية مكيفة، وحين استهدفت الولايات المتحدة بعض عناصر “داعش” المغادرين، أدانت ميليشيا “حزب الله” الإرهابية ذلك.
  • العلاقة مثبتة بين “حزب الله” وتنظيم “القاعدة” وكان الوسيط فيها القيادي (الإرهابي) عماد مغنية، وأغلب قادة “القاعدة” الأحياء يعيشون في إيران بمن فيهم الظواهري وعائلة أسامة بن لادن، ويزاولون منها نشاطهم ضد المملكة العربية السعودية وضد الولايات المتحدة الأميركية.
  • الخطاب الاجتماعي والثقافي لـ “حزب الله” مطابق لخطاب “القاعدة” والدواعش، ومن الواجب التذكير بتصريحات شهيرة لنائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم قال فيها: “الأميركيون والألمان والفرنسيون يذكروننا بالجاهلية. أحذر من المعلمات المطلّقات. أحذر من السماح للفتيات بمعاشرة المنحرفات اللاتي يتحدثن عن الموضة ومساحيق التجميل. أحذر من تربية الأولاد في مدارس فيها اختلاط بين الفتيان والفتيات. أحذر الشباب من الاحتراق إذا تحدثوا مع الفتيات. بفضلنا انتشر الحجاب انتشاراً عظيماً وزاد عدد المؤمنين). 
  • كما قامت “القاعدة” و”داعش” بتهجير المسيحيين في العراق، قام “حزب الله” بتهجير المسيحيين من الضاحية في بدايات تأسيسه.
  • كما قامت “القاعدة” و”داعش” بالاغتيالات والتفجيرات فعلها “حزب الله” أيضاً: اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والساسة: باسل فليحان وبيار الجميل وأنطوان غانم وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي ومحمد شطح ووليد عيدو، والضباط: سامر حنا ووسام الحسن وفرانسوا الحاج. 

إن تجربة حكم الاسلام السياسي الشيعي في المنطقة أفضت إلى نتائج مروعة في لبنان وسوريا والعراق واليمن أدت الى فشل الدولة وانهيار الاقتصاد، واستشراء الفساد، وتقديم الطائفة والمذهب على حساب الأوطان والعروبة، وتهشيم قيمة المواطنة، وازدراء الدساتير والحقوق والحريات، وسيادة التطرف والإرهاب وتصديرهما، وتمكين الأراذل والمرتزقة، وتشريع العمالة الجماعية لدولة عدوة ومحتلة (إيران).

كل هذه العلامات والظواهر والمآلات هي التعريف الواقعي والعملي للتشيع السياسي والاسلام السياسي الشيعي الذي ابتليت به المنطقة.

ومنعاً ودحضاً لأي فهم مغلوط يحاول أحدٌ ما جر المقال اليه، فإن الشيعة العرب هم مكون أساس في منطقتنا، لكن ذلك لا يعطي حصانة من أي نوع للعميل وللإرهابي الذي يتستر وراء الاسلام أياً كان شيعياً أو سنياً، والحرب التي آن أوانها هي حرب ضد شيعة وسنة ومسيحيين اختاروا إيران على حساب أوطانهم.

وكما أن الحرب على “داعش” و”القاعدة” لم تكن حرباً ضد السنة أبداً، فالحرب على الميليشيات المتأيرنة وحلفائها ليست حرباً ضد الشيعة، بل إن المأمول والمنتظر أن يتصدر أحرار وشرفاء وعقلاء الشيعة العرب هذه الحرب مع كل حليف ممكن ومتضرر، كما فعل عقلاء السنة ونخبها الذين تصدوا لتطرف “القاعدة” و”داعش” وارهابهما.

إننا نتحدث عن حرب ضرورة وبديهية لتحرير البلاد والعباد، حرب تنهض بها “الدول” كي لا يعلو على “المواطنة” انتماء عابر بسبب ولاء طائفي، حرب العرب أصحاب الأرض ضد الإيرانيين الغزاة وأدواتهم في المنطقة.

وكما لم تقبل المنطقة جماعة سياسية سنية، لن يُقبل التشيع السياسي كجماعة سياسية من باب أولى، لكنهم كأفراد وكمذهب وطائفة وعقيدة لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

تتداول دول الاعتدال العربي هذه الأيام مشروع تأسيس “ناتو” عربي لمواجهة الأخطار التي تهدد المنطقة، وبغض النظر هل تأسس هذا “الناتو” أو لا، فإن مواجهة التشيع السياسي (الاسلام السياسي الشيعي) لا بد أن تكون على رأس اولوياته، وأن تبدأ جدياً بالتعامل مع ميليشياته وحلفائه كما تم التعامل مع “داعش” و”القاعدة” والإخوان، فخطر الميليشيات المتشيعة هو أبو الأخطار والتحديات التي تهدد العرب والمسلمين ودولهم، والقضاء عليها يعني القضاء على مصادر النار والفتن التي تختبئ تحت الرماد. 

ويكون ذلك مصداقاً لقول الشاعر:
مَن كان َ يسألـُني عن أصل ِ دِينـَهـُمُ ** فإن َّ دِينـَهـُمُ أن يـُقـَتـَل َ العـَرَبُ

شارك المقال