زواج الاكراه… فضيحة جديدة في المسيلحة

محمد شمس الدين

العالم اليوم لا يتقبل فكرة الزواج بالإكراه، ولكن منذ زمن ليس ببعيد، كان يمكن لأي شخص صاحب سلطة أو قوة أن يجبر أي فتاة على الزواج منه، قد يكون والياً أو أميراً، أو ملكاً أو أحد النبلاء، حتى أن المفهوم تطور لاحقاً، ليشمل الأغنياء ورجال الأعمال وأصحاب النفوذ. وفي بعض المجتمعات التي كانت تحت قوى الاستعمار، كان الأمير الذي يحكم منطقة معينة، يفرض على أي فتاة قبل ليلة عرسها أن تقضي الليلة معه أولاً، قبل زوجها، وقد اعتبر هذا حقاً لهم، فهم كانوا حكاماً بأمر الله. اليوم لا تزال هناك حالات من الزواج بالإكراه، سببها الأهل الذين يفرضون على فتياتهم الزواج من أشخاص معينين، إما لاعتبار أن بامكانهم تأمين حياة كريمة لهن، أو تكون أشبه بعملية بيع “شرعي” عبر المهر.

ولكن الموضوع اليوم ليس عن فتاة، بل عن وزارة، تم تزويجها بالإكراه لفريق معين، وهي تعاني حتى اليوم بسبب هذه العلاقة السامة. انها وزارة الطاقة والمياه، التي “تغتصب” كل يوم من هذا الفريق، إن كان لجهة الكهرباء أو المياه، أو حتى المحروقات ورخص الآبار، بل في كل الملفات، ولا يزال هذا الفريق يرفض الى اليوم أن يطلقها أو يخلي سبيلها، لا بل يصر على إخضاعها الى “بيت الطاعة”.

، بيانات من هنا، مقابلات تلفزيونية من هناك، ودائماً “الحق ع الطليان”.

يعيش لبنان اليوم أزمة مياه في مناطق عدة، وبكل وقاحة يخرج مسؤولو “التيار الوطني الحر” ووزراؤه السابقون ليحاضروا في موضوع سد المسيلحة والسدود عموماً في لبنان، علماً أن كل السدود التي عمل عليها التيار فشلت فشلاً ذريعاً، وتم الكشف عن فضيحة جديدة موثقة بالمستندات والتقارير الفنية ومعززة باستشارة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل رقم الأساس 499/أ/2022، رقم الاستشارة 512/2022 تاريخ 15/6/2022، وبتقرير المفتشية العامة الهندسية في التفتيش المركزي رقم الصادر 6/ص 4 ب/2020 تاريخ 21/12/2020، تظهر حجم العيوب الفنية والمخالفات المالية والقانونية التي أمعنت وزارة الطاقة والمياه في ارتكابها في المشروع المسمى بـ”سد وبحيرة المسيلحة” والتي تتكشف آخر تجلياتها في كتاب وزير الطاقة والمياه رقم 196/ص1 تاريخ 8/6/2022 المتضمن طلب دفع قيمة أشغال إضافية منفذة عائدة الى مشروع إنشاء سد وبحيرة المسيلحة – قضاء البترون بموجب عقد مصالحة والبالغة قيمتها /3.799.985.59/ دولار أميركي بما فيها الضريبة على القيمة المضافة، وذلك إضافة الى قيمة العقد الأساس البالغة 55 مليون دولار أميركي وإضافة الى قيمة جدول المقارنة البالغة قيمته حوالي 11 مليون دولار أميركي. وخلص هذا التقرير إلى أن:

– الاستشاري الذي قام بنفسه بالدراسة التفصيلية للمشروع يجب أن يكون قد اطلع على الموقع وقام بالدراسات كافة ولا سيما الجيولوجية والجيوتقنية واختبارات التربة التي تمكنه من تقديم الدراسة الكاملة العائدة الى السد، والتي جرى على أساسها تنفيذ المشروع من دون اللجوء إلى كلفة إضافية وبنود جديدة.

– أن الانخسافات التي حصلت عند التعبئة الأولى للسد كانت منظورة ومتوقعة حيث سبق ولفت تقرير شركة SAFEGE، إلى وجود طبقة كارستية وقابلة للنفاذ متحفظاً على التسرب المحتمل الذي يمكن أن يحصل نتيجة نقص في معالجة عزل أرضية الخزان منذ العام 2011 قبل الشروع بتنفيذ السدّ.

– أن الحلول البديلة (الأشغال الاضافية لمعالجة أرضية بحيرة سد المسيلحة وجدران دعم للضفة يسار البحيرة) قد لا تكون ناجعة، ما يستدعي اجراءات إضافية لاحقة بما يجعل هذه الاضافات متدحرجة ومترافقة مع هدر المال العام، ما يستدعي إخضاع أية إضافات مقترحة من قبل الاستشاري إلى تدقيق فني.

– أن التكاليف الإضافية لمعالجة أرضية البحيرة وجدران الدعم للضفة اليسرى يجب أن تكون على عاتق كل من الاستشاري والمتعهد، والتي نتجت جراء التعبئة الأولى والثانية، علماً أن وزارة الطاقة والاستشاري والمتعهد لم يودعوا هيئة التشريع والاستشارات ولا التفتيش المركزي ولا الرأي العام، التقرير الدوري للتعبئة الثالثة للبحيرة لمعرفة ما إذا كان هناك من تسرب مياه وكذلك لمعرفة ما إذا كان الاشغال بحالة جيدة أم لا.

ويتبين بالتالي من تقرير المفتشية العامة الهندسية (التفتيش المركزي) وجود عيوب في تنفيذ مشروع بحيرة وسد المسيلحة، وأن تلك العيوب عائدة الى خطأ المتعهد، وأن الاقتراحات التي تقدمت بها المفتشية الهندسية لم تلق تجاوباً من وزارة الطاقة ومتعهد الأشغال.

حيث في ضوء الوقائع المبينة أعلاه وفي ظل تقرير التفتيش المركزي الذي أشار الى أن التكاليف الاضافية لمعالجة أرضية البحيرة وجدران الدعم للضفة اليسرى يجب أن تكون على عاتق كل من الاستشاري والمتعهد، خاصة وأن الأعمال الإضافية المطلوب إجراء مصالحة عليها، تتضمن معالجة تلك الأعمال، أي الأعمال التي يجب أن تكون على عاتق الاستشاري والمتعهد، وفي ضوء عدم تحديد الجهة المسؤولة عن العيوب والتي أدت الى القيام بالأعمال الإضافية التي نتجت عنها المبالغ المطالب بها، وفي ضوء عدم معرفة ما إذا كانت الأعمال الاضافية المطلوب سداد المبالغ المطلوبة عنها، قد أتت بنتائج ايجابية، أكدت استشارة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل رقم الأساس 499/أ/2022 رقم الاستشارة 512/2022 تاريخ 15/6/2022 أنه ليس ثمة امكان في المرحلة الراهنة اجراء عقد المصالحة المطلوب، وبالتالي عدم إمكان سداد المبلغ المحدد في عقد مصالحة والبالغة قيمته /3.799.985.59/ دولار أميركي.

هو زواج بالاكراه بين “التيار الوطني الحر” ووزارة الطاقة، والمصيبة أن هذا الزواج يؤثر سلباً على كل الشعب اللبناني، الذي يبحث اليوم عن سبل باهظة لتأمين أدنى مقومات العيش الكريم، من الكهرباء والمياه، بينما تتعطل الحكومة اليوم كي لا يتم الطلاق مع وزارة الطاقة، وهم لا يحاولون إخضاع الوزارة فقط، بل الشعب اللبناني كله إلى “بيت الطاعة”، والسؤال الأبرز اليوم هل يخضع الرئيس المكلف؟

 

شارك المقال