مسلسل أميركي يحاكي الواقع اللبناني… عالم بلا طاقة

محمد شمس الدين

“Revolution” مسلسل أميركي صدر في العام 2012، يتحدث عن عالم يعيش من دون طاقة نهائياً، لا كهرباء في هذا العالم… حتى السيارات والآليات لا تعمل فيه. في يوم من الأيام اختفت الطاقة فجأة من العالم، ما تسبب بنزاع بين البشر فيه، انتهى إلى سقوط الأنظمة العالمية، وتحولت الدول إلى ميليشيات تتصارع في ما بينها للسيطرة على الأراضي والثروات المائية والزراعية. ويخوض أبطال المسلسل صراعات خطيرة بسبب شريعة الغاب السائدة، وفي نهاية الأمر يكتشفون أن سبب انقطاع الطاقة عن العالم، هو تجربة علمية، بحيث اخترعت مجموعة من العلماء، روبوتات من نوع تكنولوجيا النانو، تستطيع سحب الطاقة من أي منطقة تتواجد فيها، وكانت أهداف هذا الاختراع عسكرية، بحيث تعطي تفوقاً للدولة الأميركية في أي حرب تخوضها. المسلسل يلقي الضوء على طبيعة البشر، وكيف يمكن أن يتحولوا إلى وحوش كاسرة عندما يفقدون خدمة يعتمدون عليها في حياتهم اليومية.

من خلال مشاهدة المسلسل، نلاحظ تشابهاً كبيراً في معظم أحداثه مع الحالة اللبنانية، اذ أن لبنان فعلياً ليس دولة، بل بقعة تتنازع فيها الأحزاب على السلطة والسيطرة على مقدرات البلاد، ولكنها تخوض المعارك بالسياسة والطائفية والابتزارز بدل العسكر، علماً أن لكل حزب جناحاً عسكرياً، يستطيع نشره متى أراد. وبالطبع، التشابه الأكبر هو موضوع الطاقة، ولكن بدل أن تكون روبوتات نانو زرقاء، هم “وزراء برتقاليون”، يفرضون الظلام على اللبنانيين، بل أن فشلهم أدى الى أزمة في المحروقات، وصلت في احدى المراحل، إلى استغناء المواطنين عن سياراتهم، لأيام وأحياناً أسابيع. حتى أن المواطنين في بعض القرى استعاضوا عن سياراتهم بركوب الخيل أو الدراجات الهوائية. وبسبب الأزمة أصبحوا يشعلون الحطب من أجل الماء الساخن… كلها مشاهد تراها في المسلسل، لدرجة تظن معها أن كاتب السيناريو لبناني يعيش في يومنا هذا وعاد بالزمن الى الوراء وكتب مشاهداته.

الماء العذب في المسلسل هو سلعة قيمة جداً، بحيث يجهد الجميع لتأمين الماء المستدام، وهذا ما تعيشه العديد من المناطق في لبنان، التي أصابها نقص حاد في المياه، حتى العاصمة بيروت، ولكن الفرق بين المسلسل ولبنان، أن الأخير غني بالمياه، ويحتاج فقط إلى خطط واقعية كي يستطيع تأمينها لمواطنيه، لا إلى سدود برتقالية فاشلة بحسب إجماع غالبية الخبراء.

اليوم تبشر وزارة الطاقة اللبنانيين بالعتمة الشاملة، وتعد بأنها في عيد الأضحى، الذي يحل بعد أيام، ستؤمن ضعف التغذية للبنانيين، ولكن يبدو أن الحاكمين بأمر الطاقة، لم يتعلموا أسهل دروس الرياضيات: صفر x 2 = صفر.

والوقاحة الأكبر هي المماطلة في تشكيل الحكومة الى درجة التعطيل من أجل المحافظة على وزارة الطاقة! والشخص الطبيعي، إن كان في موقع ما، ويُلام دائماً بسبب عمله، بل ويُشتم أحياناً، يغادر هذا الموقع، حفاظاً على كرامته أولاً، وتحديداً إذا اعتبر أن هناك من يعرقله ويمنعه من تأدية عمله، يتخلى عن الموقع لإظهار ذلك. أما من يتمسك بالموقع عبر قوة الأمر الواقع، فمعناه أن هذا الشخص يعلم، أن من يستلم بعده سيكون قادراً على الإنجاز حيث أخفق مراراً وتكراراً، وهذا هو التفسير الوحيد، لتعطيل البلد من أجل الحفاظ على السيطرة على وزارة الطاقة، وكل الحجج من طراز ضرب حقوق الطائفة وموقع رئاسة الجمهورية واهية، فلو كانوا غير مذنبين، لقدموا هذه الوزارة على طبق من ألماس لأي كان، كي يثبتوا براءتهم.

أما أكثر التشابهات رعباً بين المسلسل ولبنان، وهو ما يخشاه اللبنانيون، أن يستمر الحاكم مونرو في المسلسل (عون) بحكمه، وهو أمر بدأ التسويق له، عبر حجة عدم ترك المنصب للفراغ، مما يعني أن جحيم اللبنانيين سيستمر، وستستمر معاناتهم في تأمين أدنى مقومات العيش، وأولها الكهرباء، فالوزة الذهبية، لم تبض بيضتها الأخيرة بعد بالنسبة الى الروبوتات البرتقالية.

شارك المقال