المفتي خالد… شهيد وحدة الأرض والشعب والمؤسسات

الشيخ خلدون عريمط

اثنان وثلاثون عاماً مضت على استشهاد المفتي الشيخ حسن خالد وما زالت ذكرى الاستشهاد ماثلة في الأذهان، وأقوال ومواقف المفتي خالد، خالدة في ذاكرة الوطن، يردّدها اللبنانيون، مسلمين ومسيحيين، في مواجهة كل مشكلة أو أزمة أو نكسة أو إحباط يعيشه الوطن اللبناني وابناؤه. وليس مستغربا بعد هذه السنوات العجاف والطوال أن تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي في ذكرى استشهاده؛ مقتطفات أو مواقف من تصريحاته، فلبنان بأزماته ما زال هو هو! قبل الاستشهاد وبعده، وآلام اللبنانيين وجراحاتهم ومشكلاتهم مازالت هي هي! لا ماء لا كهرباء لا فرص عمل ولا إصلاح، ولا حكم موضع ثقة أو صلاح، ولا سيادة ولا شرعيّه عادلة، ولا دولة ذات سيادة تبسط سلطتها وقوانينها على أراضيها وحدودها ومعابرها الشرعية وغير الشرعية.

حمل المفتي الشهيد قضيّة الوطن والأمة كما حملها من بعده الرئيس الشهيد الظاهرة رفيق الحريري وقادة مخلصون آخرون، وأخوانه ورفاق دربه الذين سقطوا على دروب العدالة؛ الواحد تلو الآخر، ليبقى لبنان سيداً حراً عربياً مستقلاً وما بدّلوا تبديلاً.

منذ عام 1975، عام الفتن والحروب العبثيّة والاعتداءات الصهيونية، والصراعات الإقليميّة والدوليّة على الساحة اللبنانيّة المهيّأة حكماً؛ بأمراضها الطائفية والمذهبية؛ لتبادل الرسائل الناريّة الملتهبة بين المتقاتلين الكبار والصغار، ومازال جرح اللبنانيين ينزف دماً ودموعاً وحرماناً، ومازال المواطن يعيش في غربة، غربة عن الأرض والناس والمجتمع والدولة، وها هو الحاكم وفريقه الّمهووس بالسلطة والتسلط والمال يعيش في عالم خارج الزمان والمكان، وما زالت سفينة الوطن المكلوم تائهة في بحر الظلمات يقودها رئيس فاشل مع من ربطوا لبنان وشعبه وطموحاته مع مشاريع اقليميّة، تستخدمه كغيره ورقة من أوراق الصفقات الإقليميّة والدوليّة.

أيّها المفتي الشهيد… اثنان وثلاثون عاماً مضت على استشهادك، وما زالت القدس ومسجدها الأقصى وفلسطين التي احببتها وشعبها وثورتها ومقاومتها تنزف جرحى وشهداء كباراً، ومازال العدو الصهيوني التلمودي يعبث بالأرض والمقدّسات والوجود والتاريخ، وبعد أن كانت بعض العواصم والحواضر العربيّة عواصم دعم ومساندة حوّلها المشروع الصفوي الإيراني وميليشياته والقوى الظلامية المتصارعة والأنظمة الظالمة، إلى عواصم دمار وتهجير وتغيير ديمغرافي وسفك دماء، كما هي حال دمشق وبغداد وصنعاء والعاصمة الليبيّة طرابلس الغرب وما حولها.

أيّها المفتي الشهيد… اثنان وثلاثون عاماً على غيابك جسداً ودوراً وموقفاً، وما زال وطنك الّذي أحببته بلا حدود، أنت الذي حرصت على وحدته الوطنية، ورفضت تقسيم جيشه الوطني، وها هو تتقاذفه مصالح القوى الإقليمية القريبة والبعيدة، والأرواح الشريرة الحاقدة ومازال الحاكم بأمره الّذي وصل إلى الحكم في غفلة من الزمن تائهاً شارداً يحلم بعودة امتيازات فئوية ومصالح شخصيّة، ويسعى لتكريس الوراثة للصهر الفاسد أو القريب الطامح، مكابراً ومتناسياً أنّ لبنان الوطن والشعب أكبر من أحلامه وترهاته وعنصريّة أحقاده.

أيّها المفتي الشهيد حسن خالد… نم قرير العين في جنّة الخلد. ما زلت وستبقى خالداً في ذاكرة الوطن شاهداً وشهيداً لوحدة الأرض والشعب والمؤسسات في لبنان والأمة. ستبقى في وجدان المسلمين واللبنانيين جميعاً، وفي المؤسّسات الّتي أنشأتها ورعيتها ودعمتها من أثرياء الداخل ومن الأشقاء في دول الخليج العربي والعرب، هذه المؤسسات مازالت مصانة وواعدة بعهدة دار الفتوى وسيدها ومفتيها، ومازالت حاضرة دوراً ورسالة في ضمائر اللبنانيين والعرب والمسلمين، الّذين أرادوا لبنان سيّداً حراً موحّداً بعيداً عن المحاور الإقليميّة والدوليّة، ورافضاً للمشروع الصهيو – أميركي – التلمودي الساعي لابتلاع فلسطين وما حولها.

أيّها المفتي الشهيد نم قرير العين فأمانة الوطن وسيادته وعروبته ووحدته؛ الّتي حملتها بصدق وإخلاص وإيمان، لم ولن تسقط؛ بوجود الرجال الرجال المؤمنين بربهم وبوحدة وطنهم وامتهم وحقهم بالوجود؛ وسنردد باستمرار كما كنت تردّد دائماً؛ لبنان لا يبنى على مقاس مصالح طائفة أو حزب أو حركة أو تيّار، لبنان لا يبنى إلاّ على مقاس مصالح اللبنانيّين جميعاً مسلمين ومسيحيين؛ ولن يبقى إلاّ سيّداً حراً عربياً مستقلاً متعاوناً مع أشقائه العرب وأصدقائه المخلصين في كل مكان.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً