لبنان “يشحد” من اغترابه… والسياحة بين “أولاد ست وجارية”

محمد شمس الدين

“شحادين يا بلدنا”… الأغنية الشهيرة التي اعتبرت وصفاً للواقع الاقتصادي اللبناني، الاقتصاد الذي بني على السرية المصرفية والسياحة، ولكن من المفروض أنها كانت إيداعات الدول الصديقة في المصارف، العربية تحديداً، وسياحة مواطنيها، لا مواطني لبنان الذين هربوا من سياسات حكامهم، واستطاعوا النجاح في الخارج. حتى أن الحملة الدعائية من أجل جذب السياح، كانت تهدف الى جذب الاغتراب اللبناني، أكثر من محاولة استقطاب السائحين العرب.

يظهر علينا القيّمون على الدولة أو المسؤولون في القطاع السياحي كل بضعة أيام، ليبشروا اللبنانيين بأنهم نجحوا، وهم يتوقعون دخول ما يقارب 4 مليارات دولار فريش إلى لبنان خلال الفترة السياحية هذه، وكأنه إنجاز عظيم يجب التغني به، فالمغتربون أصلاً كانوا سيحضرون بحملات دعائية أو من دونها، لقضاء عطلتهم السنوية مع الأهل والأصدقاء، لا لسواد عيون زعيم أو رئيس. والأسوأ من هذا كله، هو تقسيم المناطق السياحية، وفقاً لآراء سياسية، لا عملية، بل أن هناك مناطق تحظى بدعم الدولة أكثر من غيرها من أجل الموسم السياحي فيها، فجبيل والبترون وزحلة مثلاً يجب تأمين الخدمات فيها لتشجيع السياح على زيارتها، أما مناطق مثل طرابلس وصيدا وبعلبك وعكار وغيرها الكثير، فلا يهم إن استفادت من الموسم السياحي أم لا، والحاكمون بأمر الدولة لا يسارعون الى دعمها وتأمين البنى التحتية اللازمة من أجل تشجيع السياحة فيها، علماً أن العديد من المناطق التي لا تنعم بدعم من الدولة، هي مناطق تستأهل السياحة، ومليئة بآثار ومناظر خلابة تتفوق على المناطق التي تدعمها الدولة.

ومن السلبيات الكبيرة لسياسة الدولة السياحية، أنها جعلت اللبنانيين في مواجهة بعضهم البعض، فانعدام المساواة بين المناطق ومواطنيها، سيزرع حقداً وطبقية، وحتى في السياحة هناك أولاد ست وأولاد جارية، ومن الطبيعي أن الشخص الذي يشعر بأن دولته تعامله كمواطن درجة ثانية، سيبادر من تلقاء نفسه الى إعلاء موقعه، وإن كان بطرق غير قانونية. فالأحزاب التي تنادي بسيادة الدولة المطلقة أيضاً، أداؤها في السياسة من منطلق مناطقي، ثم تذهب لتندب انعدام السيادة، إن كان بسبب اتجاه هؤلاء الناس الى تنظيمات أو جمعيات أو اعتماد نهج العشائرية، وكأنه لا يكفي أن الدولة تهمل هذه المناطق من كل نواحي العيش الكريم، بل تهمّشها سياحياً.

“شحاذون من جيوبنا” هذا هو شعار لبنان الجديد، فحكام هذا البلد اليوم يعتمدون على الفريش دولار من المغتربين كي يموّلوا نفقات الدولة، بل الأسوأ أنهم يقدمون الدعم الى بعض المحتكرين، الذين يسيطرون على سوق المواد الأساسية في البلد. أما أن يقوم الحكام بوضع خطة تنهض بالبلد من دون الحاجة الى الاعتماد على الخارج، فهذا حلم بعيد المنال، وتحديداً في ما نشهده من التناتش على الحكومة الذي يحصل اليوم، ولكن لم يخطر في بال أي مسؤول أن يسأل: ماذا لو لسبب ما، كالحرب مثلاً، توقف ضخ الأموال من الخارج؟ كأنهم لا يشاهدون الصراع على النفوذ بين الشرق والغرب اليوم، فقد تتطور الأمور لتصل إلى انقسام العالم الى محورين، وعلاقة لبنان ليست جيدة بكليهما، وإن تصاعد التوتر في العالم، فقد يتضور لبنان جوعاً، ولكن هذا لا يهم، الأهم هو أن تبقى هذه الوزارة لهذا الزعيم، وتلك الوزارة لزعيم آخر. طبعاً المحاصصة أهم من الأمن الغذائي والاجتماعي، فهو أمر تعوّد عليه اللبنانيون منذ تأسيس الكيان، على الرغم من بعض الاستثناءات النادرة عبر التاريخ.

شارك المقال