باحثة أسترالية: رسالة إلى أصدقائي في غزة…

حسناء بو حرفوش

كتبت الباحثة الأسترالية في “مركز القيادة الإنسانية”، راشيل كوجلان، رسالة إلى أصدقائها وزملائها في غزة، استوحتها من المكالمات الهاتفية التي خاضتها معهم والرسائل المروعة التي وصلتها في الأيام القليلة الماضية حول ارتفاع حدة الصراع بين الفسلطينيين والاسرائيليين. في ما يأتي ترجمة لمقتطفات من الرسالة التي نشرها موقع “وومنز أجنده” (womensagenda) الأسترالي،

“إلى أصدقائي محمد وهناء وخميس وريهام ومهند ومحمود وأحمد والباقين جميعهم،

ونحن نطلي منزلنا (في أستراليا) ونستعد لبيعه، أنظر إلى الحطام المتساقط من الطلاء القديم والغبار المتراكم من أعمال البناء على أغراضي الشخصية الثمينة والمفروشات الناعمة. كأنّ به “موقع انفجار”! أتأفف وأصرخ بوجه زوجي (…) ثم أغرق في التفكير. كيف لنا أن نستهتر باستخدام استعارة “الانفجار” بهذا الشكل؟ الحقيقة أن منازلكم في غزة هي ساحات الانفجار الحقيقية حيث يستفيق الليل على صدى القنابل وأصوات الرعب ووهج الانفجارات.

بينما نسعى للعثور على بيت جديد عبر الانترنت، أعلم أنكم تعيشون عمليات إجلاء حقيقية نتيجة للحرب، محاطين بالشرطة وعاجزين حتى عن إيجاد متسع من الوقت لحزم بطانية طفلكم المريحة أو حتى صور زفافكم. تستطيعون بالكاد دسّ بطاقات الهوية في جيوبكم، قبل أن تهموا بالبحث عن أماكن أقل خطورة، كمستشفيات الصليب الأحمر ومدارس الأمم المتحدة.

لكن لا توجد أماكن أقل خطورة، أليس كذلك أصدقائي؟ لقد أخبرتموني أنه لا يوجد مكان آمن. ومع ذلك، لا نكف عن سؤالكم: “هل أنتم بخير؟” لكم هو مبتذل هذا السؤال! لكن ما عسانا نفعل سوى الاطمئنان بأن سؤالنا يصلكم.

(…) بينما نخشى على عمالنا من رذاذ الغبار السام لمواد الطلاء والبناء، تتنشقون أنتم الغبار الحقيقي للحرب والمواد الكيميائية ومخلفاتها (…) ستدخل فرق الطوارئ الصحية إلى المنازل المنهارة لسحب الناجين أو الجثث، وسيتعرض المسعفون للسموم. وسيقومون بذلك بشجاعة ورحمة لأنهم يهتمون بجيرانهم وبشعبهم وسيحاولون إنقاذ حياتهم أو البقاء بجانبهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة.

وفي وقت لاحق، ستعيدون بناء بيوتكم من الأنقاض، وستنقذون بعض الحجارة وسيستنشق العمال المواد التي تسبب السرطان. أما كان ذلك الحال في الحرب الأخيرة والحرب التي سبقتها؟ لقد كنت هناك (…) وأعلم كم قد يستغرق إعادة بناء مستشفى تعرض للقصف لصعوبة الحصول على مواد البناء والمعدات الطبية وإدخالها عبر الحدود. أخبرتموني أن الأمر قد يستغرق عامين لتنسيق إحضار مصعد للمستشفى وثلاث سنوات لتنسيق تأمين مضخات الأكسجين للمرضى.

عندما رأيتكم في العام الماضي، كان أطفالكم يلهون ويقفزون. أما الآن فهم يركضون ويصرخون. وعندما لا يصرخون، يغطون آذانهم وهم يحاولون النوم متجمعين معًا في غرف فردية في الطوابق الأرضية، بعيدًا عن النوافذ، التي فتحت بعض الشيء، لتجنب التمزق بشظايا الزجاج المنفجر… أو ربما أولادكم لا يضحكون ولا يصرخون ولا يركضون لأنهم ناموا إلى الأبد.

اثنان وثلاثون طفلاً.. تسعة وثلاثون طفلاً.. 41 طفلاً فقدوا حياتهم.

لم يذق أزواجكم وآباؤكم وأمهاتكم طعم النوم منذ أيام. تحول ضحكهم إلى صراخ ثم صمتت صرخاتهم، أرهقهم القلق وقلة النوم. المحظوظون محظوظون لأنهم ما زالوا على قيد الحياة.

انتظرت هذا الأسبوع، كالعادة رسائل عيدكم الاحتفالية عبر “واتس أب” أو “فيسبوك مسنجر”، وأنتم تغنون حاملين أكواب الشاي أو الورود أو قلوب الحب. لكن هذا العيد لم يحمل رسائل احتفالية. لم يحمل كما كتب لي يا صديقي العزيز د. محمد أبو ريا، إلا قصصاً عن طفل اشترى ملابس العيد لكنه ارتدى كفنًا وعن فتاة جهزت فستانها الأبيض لحفل زفافها المرتقب صبيحة اليوم التالي للعيد، انتهت بالهروب وتمزق الفستان تحت الأنقاض، وعن أمّ وعدت أطفالها بكعكات العيد، لكن وعد الله كان أقرب.

تعلمت من زيارتي غزة العام الماضي، أن أكرس الوقت للأشياء التي تجعلني أشعر بالسعادة والامتنان لأني على قيد الحياة. أنتم مبدعون وسريعو الفطنة وتجدون السعادة في الأشياء الصغيرة لأنه توجب عليكم إعادة البناء مرارًا وتكرارًا. هذه المرة، أخبرتموني أنكم تتساءلون عن إمكانية إعادة البناء. لا أسمع الدعابة في صوتكم. أعلم أنكم تتساءلون هذه المرة، عن إمكانية البقاء على قيد الحياة.

هذه المرة أسوأ من سابقتها. علمت منكم أن القصف لا يستكين بين الغارة والغارة. ليس بالإمكان الاستسلام للنوم وأنتم ترتدون أحذيتكم استعداداً للركض. أرجوكم! ابقوا على قيد الحياة لتواصلوا القيام بالأشياء التي تجعلكم تشعرون بالسعادة، والتي تجعلنا نحن أيضاً نشعر بالسعادة بصفتنا  أصدقاء.

لست فلسطينية ولا أستطيع أن أتخيل الأهوال التي تعيشونها. إنها قصتكم وليست قصتي وهذه كلماتكم وليست بكلماتي، لكني كتبتها نقلا عنكم، علّها تصل إلى مسامع الآخرين أيضًا.

لكم كل حبي.

صديقتكم”.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً