جدل بين القانونيين في ملف المطران الحاج

محمد شمس الدين

قضية هذا الأسبوع عند الشعب اللبناني هي قضية المطران موسى الحاج، الذي أوقف لمدة 8 ساعات لدى الأمن العام للخضوع للتحقيق، ثم استدعاه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالانابة القاضي فادي عقيقي للتحقيق معه، الأمر الذي أدى إلى انتفاضة مسيحية مارونية ضد الأمن العام والمحكمة العسكرية، واعتبار أن ما يحصل هو رسالة من “حزب الله” الى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، لذلك سارعت الأجهزة القضائية والأمنية المعنية بالملف إلى تسريب سبب التحقيق مع المطران، وهو أنه كان ينقل مبلغاً كبيراً من المال قارب النصف مليون دولار. وعلى الرغم من ذلك لم تهدأ الدوامة التي أدت إلى اشتباك على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يدافع عن المطران ويهاجم المحكمة العسكرية والأمن العام ويتهمهما بالتسييس مستنكراً معاملة رجل دين بهذه الطريقة، وبين من يهاجم المطران ويدافع عن المؤسسة القضائية والأمنية، معتبراً أن القانون فوق الجميع. ولكن ماذا يقول القانون فعلياً في هذه الحالة؟ هل رجل الدين فوق القانون، أم أن القاضي عقيقي خالف القانون؟

أوضح المحامي سعيد مالك أنه “كان على القاضي عقيقي أخذ موقع سيادة المطران في الاعتبار، فقد كان هناك قرار سابق صدر عن قاضي التحقيق العسكري القاضي فادي صوان في شهر أيار من العام الجاري، أكد عدم صلاحية المحاكم العسكرية في مقاضاة أي رجل دين، وتحديداً أن هناك بروتوكولاً يجمع بين الدولة اللبنانية والسفارة البابوية في الفاتيكان، وينص بشكل صريح على أن ملاحقة أي رجل دين كاثوليكي تقتضي أن يحصل بالتنسيق مع الفاتيكان ودوائره. لذلك أعلن القاضي صوان عدم اختصاصه بملاحقة المطران يومها، وما يقوم به القاضي عقيقي هو فتح جرح سبق أن اندمل”.

ورأى مالك أن “ما يحصل هو مناسبة للتأكيد على استمرار المطالبة الدائمة بإلغاء المحاكم العسكرية كونها محاكم قمعية تتناقض مع أبسط تشريعات حقوق الإنسان، بغض النظر عن المبالغ التي كانت بحوزة المطران، التي هناك اختلاف على توصيفها، فهناك من يعتبرها مبالغ من العدو الاسرائيلي، بينما تؤكد الكنيسة المارونية أنها هبة ومصادرها شرعية، هذا أمر يتعلق بالتحقيق وسريته التي لا يمكن لأحد التوقف عندها قبل انتهائها”.

واعتبر أن “ما يحصل اليوم هو مخالفة للأصول من قبل المحكمة العسكرية، التي لا يحق لها التعرض لرجل دين، لا سيما في مقام المطران الحاج”، مشيراً الى أن “القاضي عقيقي ذهب بعيداً، ونتخوف من أن يكون هذا الأمر رسالة إلى سيد بكركي ورأس الكنيسة، خاصة أن لبنان على مفترق نوعي على صعيد السياسة”.

أما المحامي معن الأسعد فأكد أنه “بالمبدأ العام يمكن إدخال أموال من الخارج شرط التصريح عنها مسبقاً، كون لبنان أقر القانون رقم 44 في العام 2015 المتعلق بمكافحة الارهاب وتبييض الأموال”، لافتا الى أنه “إذا كانت هناك شبهة في بعض الأموال يحول الملف إلى الهيئة المصرفية الخاصة ومصرف لبنان، كي يتم درس وضعها”.

وأكد أن الموضوع بالنسبة إليه ليس عن إدخال أموال، بل أن هناك مخالفة لقانون العقوبات وقانون مقاطعة إسرائيل، مشدداً على أن “التعاطي مع أي شخص في الكيان الإسرائيلي هو مخالفة للقانون، حتى لو كان الأمر بصورة راعوية”. وسأل “هل يتم التختيم للمطران الحاج عند زياراته الكيان الغاصب؟ ومن سمح بهذا الاستثناء؟ وكيف تمر شخصية غير عسكرية عبر الناقورة؟ أين الأجهزة القضائية والأمنية من هذه المخالفات؟ فليسمحوا لنا هذا تطبيع مقنع”.

واستغرب الأسعد “تسخيف ملف المطران الحاج ليكون عن أموال منقولة”، متسائلاً “ممن أخذ المطران الحاج إذناً استثنائياً كي يمر عبر معبر الناقورة، كأنه معبر مثل معبر المصنع؟ وكيف يمكن إثبات مصدر الأموال وهدفها؟ فلا يمكن إثبات أنها تبرعات من عائلات عملاء لحد”.

وقال: “معتر من ليست لديه طائفة بظهره في هذا البلد لأنه سينكسر، أما إذا كنت تملك طائفة تغطيك، فتستطيع ارتكاب كل الموبقات والمخالفات، ولن يمس بك أحد تحت عنوان حماية الطوائف”.

وأشار المحامي وديع عقل الى أن العمل الكنسي في الأراضي المقدسة مستمر بصورة طبيعية منذ العام 1948، مؤكداً أن “علاقة الكنيسة بالرعايا والأبرشيات التي تتبع لها في الأراضي المحتلة لم تنقطع يوماً، إن كانت الكنيسة المارونية أو غيرها”.

ورأى أن “المشكلة هي في القوانين اللبنانية التي هي بحاجة إلى تطوير. فالأمر الخطير في القوانين هو أن هناك لبنانيين يعملون في دول مطبعة مع إسرائيل، وهذا يعرضهم للتعامل مع موظفين إسرائيليين، وإذا أردنا تطبيق القوانين بحذافيرها، فيجب توقيف هؤلاء اللبنانيين، مما يفتح المجال للإسرائيلي أن يكسب اقتصادياً، اذ قد يحل مكان الشباب اللبناني في هذه الوظائف، لذلك يجب تطوير القوانين اللبنانية كي تكون لدينا مقاومة اقتصادية تحمي هؤلاء الشباب الموظفين في الخارج”.

وانتقد عقل الفوضى الحاصلة في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تهاجم وتدافع بأسوأ الأساليب، قائلاً: “لا المطران الحاج عميل، ولا القاضي عقيقي أزعر. الموضوع هو أنه فتح تحقيق للتثبت من قانونية الأموال بحوزة المطران وشرعية مصادرها، وتحديداً أن القانون اللبناني يحتم تبرير مصدر أي أموال يتم إيداعها في حال تخطت الـ 10 آلاف دولار، ولكن هذا أمر يحدده التحقيق وليس مواقع التواصل. أما القاضي عقيقي والأمن العام فهما ينفذان القانون بحذافيره وليسا ملامين في هذا الملف، وكما قلت سابقاً يجب تطوير القوانين اللبنانية المتعلقة بهذه الأمور”.

وأسف لـ “اختلاط الأولويات لدى الشباب اللبناني، ولا سيما أن العالم مقبل على فترة ركود اقتصادي لم يشهده من قبل، ولبنان لديه استحقاقات أهم من ذلك بكثير وأولها ترسيم الحدود، في أصعب مفاوضات قد تمر بها أي دولة”.

شارك المقال