عون يريد تكرار تجربته… والجيش سينقلب على الإنقلاب

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

بعد حوالي المئة يوم تفتح أبواب معركة رئاسة الجمهورية على مصراعيها وينتهي العهد القوي الذي لم يحقق أي إنجاز للبنانيين، لا بل أحرقهم في نار جهنم، على الرغم من محاولاته المتكررة والفاشلة لعرض عضلاته، ويتضح ذلك من الصورة الكاريكاتورية للقاضية غادة عون التي تلاحق “الفاسد” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بحيث يتكرر المشهد الكوميدي نفسه منذ أشهر على شاشات الاعلام وأمام أنظار المواطنين الذين يبكون ويضحكون في الوقت نفسه من مرارة الواقع.

على مقربة من الاستحقاق الرئاسي تطرح أسماء مرشحين من هنا وهناك، لكن من الواضح أن الرئيس ميشال عون لا يريد مغادرة القصر، قبل أن يضمن توريث صهره جبران باسيل كرسي بعبدا الذي قدمه له “حزب الله” منذ ست سنوات بواسطة بندقيته وهو ما أكده النائب السابق نواف الموسوي، وبالتالي كان على عون دفع الفواتير اللازمة لوجوده في سدة الرئاسة، وقيل وقتها ما هو أخطر من ذلك بأن عون سيكون آخر رئيس للبنان، بفضل سعي إيران المستمر الى تدمير البلدان العربية وإسقاطها وجعلها مستعمرات للولي الفقيه.

من الواضح أن حسابات حقل عون لا تنطبق على حسابات بيدر “حزب الله” وخارجه الداعم، ويتوقع كثيرون لجوء هذا الحزب إلى إحداث خضة أمنية أو سياسية لفرض الرئيس المقبل، وقد يختار الحرب مع اسرائيل علها تساعده في إستعادة جمهوره واكتساب ثقته لا سيما أنه طوال السنوات الماضية كانت معاركه في سوريا أو في العراق أو في اليمن، وهو يعوّل ربما على معركة مع إسرائيل علّه يعوض ما فقده ويفرض الرئيس الذي يخدم توجهاته ويحفظ مصالح إيران في المنطقة.

في “جمعة” رمضان الماضي على مائدة السيد حسن نصر الله والتي ضمت المتنافسين على الرئاسة سليمان فرنجية وجبران باسيل، خرج البعض بإنطباع أن الحزب لن يتخلى عن باسيل، وقد منع هزيمته في الانتخابات النيابية وجرى تعويمه، واليوم يجتهد باسيل لتعويم نفسه لدى دول خارجية، مثل هنغاريا وبلغاريا، قدرتها على فرض رأيها أوروبياً ضعيفة جداً. كما أن عون لم ينجح في رفع العقوبات عنه، وتبدو عقد الانتخابات الرئاسية أصعب من الانتخابات النيابية والمرشحون الموارنة كثر والمتنافسون كثر ولن يستطيع “حزب الله” تعويم باسيل ويفضّل عليه فرنجية.

وبحسب مصادر متابعة، فإن “هذا التغيير يمكن قراءته من خلال التغيرات الجيو – سياسية الدولية الناتجة عن حرب روسيا وخوضها حرب استنزاف في أوكرانيا، ما يمنعها من أن تكون لاعباً فاعلاً ومساعداً في الوصول الى تسوية رئاسية في لبنان. كما أن هناك غياباً للاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية حول السلاح النووي الايراني، وهو أمر سيؤجج الخلافات ولن تستطيع ايران أن تتحدى في لبنان، أي لا يمكن تركه لقمة سائغة للإيراني لكي يفرض رئيساً للجمهورية. ثم أن أي رئيس للبنان لا يمكن أن يأتي إلا بتسوية من الخارج وإن تم إلباسها محلياً. هناك تغيرات سياسية أيضاً في لبنان لا يمكن تجاوزها، فالمزاج المسيحي مختلف والمصالح الشخصية والعائلية لبعض الأطراف تتحرك للوصول الى الكرسي، ولا يمكن لكل من يتحرك في هذا الملف إلا الأخذ في الاعتبار موقف البطريركية المارونية، وكان المعيار السابق للرئيس القوي في الطائفة أن يكون صاحب الكتلة المسيحية الأكبر، الذي يستطيع الدخول في المساومة والحفاظ على الوجود المسيحي، وقد سقط التخويف الذي إنتهجه حزب الله للسيطرة على المسيحيين من خلال إستخدام البعبع السني مثل داعش، إذ تبين أن الارهاب والتطرف لا طائفة لهما ومحاربتهما يجب أن تكون شاملة، واتضح أن دعايات حزب الله لم تنجح إلا في تقويض الكيان اللبناني”.

ومن جهة ثانية، تشير هذه المصادر المتابعة الى أن “مواقف البطريريك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي التي كانت تتماهى مع مواقف محور الممانعة تغيرت وتحولت، بعد أن تبين له أن التسوية لا يمكن أن تحصل بين فريقين بل على مستوى الوطن”، معتبرة أن “المعادلة اليوم مختلفة في الانتخابات الرئاسية ولا يمكن فرضها وفقاً لمقولات الكتلة الأكبر أو الرئيس المدعوم بكتلة نيابية أو جماهيرية، والوسطية قد تفرض من الخارج لصالح رئيس مدعوم وقوي يتفق الجميع عليه وليس رئيساً استفزازياً لطرف أو محور، واليوم حزب الله لا يستطيع عرقلة انتخاب الرئيس المقبل، وفي النهاية ستكون هناك تسوية لصالح الجميع وليس فرض رئيس أو التعطيل الذي بات يؤثر ليس على مقعد رئاسة الجمهورية وحسب، إنما على مصير البلد ويصيب كل الشرائح والقطاعات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية”.

ولكن ماذا لو أصر عون على تعطيل سيناريو الانتخابات، وقد يكمل مدته لكن يبقى في القصر تحت شعار أنه لن يسلم الرئاسة إلا لرئيس منتخب ويجر البلد الى حالة انقلابية؟ تجيب هذه المصادر: “ان عدم تسليم القصر سيكون انقلاباً عسكرياً، وسيواجه بالطريقة والأسلوب نفسيهما إذا بقي في القصر كما حصل في السابق، ولن يبقى الجيش صامتاً، بل سيواجه الانقلاب بالإنقلاب. ومشكلة عون أنه يريد تكرار تجربته السابقة، لكن أي إنقلاب منه سيواجه بانقلاب عسكري من قبل الجيش مباشرة وسيؤدي به الى الفرار من جديد والخروج من لبنان سواء كان مرتدياً بزته أم البيجاما أم غيرها، والى إعتقال كثيرين من الذين راكموا ثروات وأموال ومصالح على حساب الشعب وتحت شعار عودة حقوق المسيحيين”.

وهنا تتساءل المصادر: “هل سيرضى مؤيدو التيار الوطني الحر بذلك، لا سيما من الذين يعتبرون أنفسهم شخصيات مستقلة كما إلياس بو صعب وأخرى جمعت ثروات وأصبحت في مراكز القرار، وهل يذهبون الى مواجهة مع الجميع؟”، مؤكدة أن ذلك “سيحدث انقلاباً فعلياً حتى في داخل التيار، ولن يسلموا بقيادة باسيل لهم فهم يريدون الحفاظ على استمرارية وجودهم في السلطة وبالتالي سيتجهون الى سلوك طريق بكركي لكي يحموا أنفسهم ويظهروا أنهم مع الدولة ومع بناء المؤسسات ويتخلوا عن المغامرة العونية – الباسيلية للحفاظ على البقاء ويحيدوا أنفسهم عن المشكلات”.

وترى المصادر أن “لا أحد يمكن أن يركب الموجة العونية الانقلابية ويوافق على الخلل الدستوري والتمرد الذي سيدفع ثمنه كل من تسوّل له نفسه ذلك من شخصيات وقوى، والجيش سيلعب هذه المرة دوره الأساس في تثبيت مؤسسات الدولة ضد المتمرد في القصر. وهنا سيكون قائد الجيش الرئيس القوي المواجه للتمرد والمحافظ على المؤسسة العسكرية وعلى القصر الرئاسي، وفي مواجهة حزب الله لأنه يملك قوة عسكرية مدعومة ومجهزة بكل القدرات التي يمكن أن تواجه الدويلة”.

شارك المقال