تخوف من استعمال تعديل قانون السرية المصرفية لغايات سياسية

محمد شمس الدين

تميز لبنان منذ تأسيسه بقطاعين، السياحي والمصرفي، وكان لقانون السرية المصرفي الصادر في العام 1956، دور كبير في إنعاش القطاع المصرفي اللبناني وجذب رساميل كبيرة إليه، إلى أن حلت الأزمة الاقتصادية منذ ثلاث سنوات، وانهارت كل القطاعات، ومن ضمنها القطاع المصرفي، لذلك يستجدي لبنان اليوم صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على قروض منه لمحاولة إعادة إنعاش الاقتصاد. إلا أن لصندوق النقد شروطاً، أحدها هو تعديل قانون السرية المصرفية من أجل المساهمة في مكافحة الفساد والتهرب الضريبي، ولكن هل القانون المطروح سيكون له فعلاً صدى إيجابي على الاقتصاد اللبناني؟

الخبير الاقتصادي والمصرفي نسيب غبريل أشار في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن لدى لبنان الكثير من الاستثناءات لرفع السرية المصرفية، لافتاً الى أن “هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تمتلك الصلاحية لرفع السرية المصرفية عن أي حسابات مشكوك بها، وهي تعلن سنوياً عن الحسابات التي رفعت عنها السرية. وهنالك أيضاً قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الذي تم توسيع مفهومه في العام 2015، ليشمل أموراً عديدة لها علاقة بمكافحة الفساد والتهرب الضريبي. ولا بد من الاشارة إلى أن كل المؤسسات المالية في لبنان وقعت في العام 2014 قانون الفكة FATCA الأميركي، الذي يسمح بتبادل المعلومات بين وزارة الخزنة الأميركية والمؤسسات اللبنانية في ما يتعلق بكل المواطنين حاملي الجنسية الأميركية أو الغرين كارد الأميركي، وكذلك وقعت الدولة اللبنانية اتفاقية مع البلدان الصناعية لتبادل المعلومات الضريبية. كل هذه الأمور تعد من استثناءات السرية المصرفية”.

اما الخبير المالي والاقتصادي محمود جباعي فاعتبر أن “قانون السرية المصرفية كان إيجابياً وليس سيئاً، وكانت له إيجابية كبيرة على الاقتصاد اللبناني، لأنه كان ملاذاً للمستثمرين وتحويل الأموال من الخارج، وقد شهد لبنان فترة استقرار مالي بسبب هذه السرية المصرفية”. وقال: “في الفترة الأخيرة هناك من يحاول إيهام الناس بأن رفع السرية المصرفية يعالج المشكلة، ولكن هذا غير صحيح، فأسباب الأزمة وحلولها أصبحت معروفة، وعلى الرغم من أن رفع السرية المصرفية هو مطلب من صندوق النقد الدولي، إلا أنني شخصياً لا أميل الى الاتفاق مع الصندوق، بحيث أن العرض المقدم منه إلى لبنان لن يساهم فعلياً في حل الأزمة، ولدى الدولة بدائل عديدة عن صندوق النقد، أولها استخراج الثروات النفطية التي يمتلكها لبنان والتنقيب عنها”.

وتخوف جباعي من “أن يكون هذا القانون مطية لزيادة الحصار على لبنان، تحت عناوين مطالب صندوق النقد الاصلاحية، وهذا ما قد يضر بالاقتصاد اللبناني”، موضحاً أنه “يمكن تحت ستار رفع السرية المصرفية أن يتم التضييق على المغتربين الذين يحولون أموالهم إلى لبنان، وهم بذلك يشكلون المتنفس الوحيد للاقتصاد اللبناني، بحيث قد تبدأ مساءلتهم عن أموالهم وأهدافها، وقد تحاول جهات خارجية ملاحقتهم من جهة تحويل الأموال والتهرب الضريبي، كل هذا ممكن أن يخيف المغتربين، ويدفعهم إلى تجنب هذه الأمور وتوقيف تحويل أموالهم”. ولكنه أكد أنه يؤيد رفع السرية المصرفية عن كل ما يتعلق بالمال العام، وكذلك عن التهرب الضريبي للمؤسسات داخل لبنان، ناصحاً النواب بتدقيق شامل للقانون المقدم “خشية أن تكون هناك ألغام قد تؤثر سلباً على الاقتصاد اللبناني بدل إفادته”.

كذلك تخوف غبريل من أن يتم استعمال تعديل قانون السرية المصرفية من قبل السياسيين لغايات سياسية، قائلاً: “نحن نشاهد كيف يتم استعمال السلطة والقوانين لأغراض سياسية، ولا سيما أن القضاء اللبناني اليوم لا ينعم بالاستقلالية، لذلك أرى أنه يجب التصويت على استقلالية القضاء قبل التصويت على تعديل هذا القانون”.

السرية في حسابات المواطن المصرفية هي حق له، ولكن السرية المصرفية المشددة قد تتسبب بفساد وتبييض أموال، بل بعمليات غير مشروعة، لذلك يجب أن تكون هناك جهة مستقلة، هي التي تدرس وضع السرية المصرفية للحسابات، أهم عناوينها يجب أن يكون عدم وجود سرية مصرفية لأي عامل في الشأن العام، ولكنها في الوقت نفسه يجب أن تحمي المغتربين، خاصة أن الخزانة الأميركية قد لا تستطيع التفريق بين مؤيدين لـ “حزب الله” الذي تصنفه إرهابياً، وبين مواطني طائفتهم الشيعية وهم رجال أعمال فقط، مما يؤدي إلى مشكلات قد لا تحمد عقباها. لذلك يجب التدقيق بصورة مكثفة بالتعديلات المطروحة، كي لا يتم استخدامها في منحى خاطئ عن قصد أو غير قصد.

شارك المقال