بين ميشال وميشال!

علي نون
علي نون

لم يكن الرئيس السابق العماد ميشال سليمان، وليس رئيساً لحزب صغير أو كبير في البيئة الوطنية العامة أو في البيئة المسيحية الخاصة. كما أنه ليس ولم يكن شخصية صدامية إلغائية أو متطرفة في آرائها ورؤاها ونظرتها إلى الشأن الوطني العام والجامع… كان قائداً للجيش ناجحاً ومحترماً ومقدراً من قبل كل من جايله وعاصره وزامله واشتغل معه. وهو لذلك، ولأن خصاله تلك هي من النوع الذي يلمّ ولا يفرّق ويقرّب ولا يبعّد، وواقعي وليس من هواة ولا محترفي الشطط الذاتي الخطير، تمّ عليه الإجماع في لحظة الإجماع التي تلت هجوم “حزب الله” في ٧ أيار عام ٢٠٠٨ على بيروت وفي ١١ أيار على الجبل، والجرائم التي اُرتكبت آنذاك في ظل شعار “السلاح لحماية السلاح”!!

انتُخب العماد سليمان لرئاسة الجمهورية في اللحظة التي إرتدع الحزب وأتباعه. وتمّ وضع اتفاق الدوحة الشهير، والذي ينص في فحواه غير المعلن وغير المنشور على معادلة مفادها المرير: وقف الاغتيالات والاستهدافات في مقابل ما سُمي ويُسمى إلى اليوم، الثلث الضامن أو المعطل في أي حكومة لبنانية مقبلة!!

كان اختيار الرئيس سليمان بهذا المعنى إشارة واضحة إلى أن زمن التوافق والتراضي، والنفس التسووي قد حلّ في الربوع السياسية اللبنانية. وكان الرجل المختار خير من يمثل، في رأي الجميع، أو بالأحرى في رأي صاحب القرار في الحلف الممانع الإيراني -الأسدي، أو “حزب الله ” وأتباعه، المرحلة المقبلة بعد ٧ أيار. وهي المرحلة المحكومة بسقف تهدوي واضح، استمر حتى لحظة اغتيال اللواء وسام الحسن وبعده الوزير السابق محمد شطح.

لكن ما لم يعلن آنذاك هو أن إجماع أصحاب الشأن والقرار في الدوحة على اختيار قائد الجيش العماد سليمان لرئاسة الجمهورية، لم يكن إجماعاً من قبل كل من حضر الدوحة والمداولات والمفاوضات والمساومات التي أوصلت إلى الاتفاق الذي حمل عنوان العاصمة القطرية. بل الحقيقة هي أن ميشال عون كان الوحيد الذي رفض “ونتّع” وراح بعيداً على عادته الأثيرة، في مواقفه وابتزازاته، إلى أن تولى النائب محمد رعد رئيس كتلة “حزب الله” النيابية “إفهامه” بأن الأمر نهائي! ونتيجة توافق إقليمي دولي بقدر ما هو نتيجة توافق لبناني محلي، وأن الرياض والقاهرة وطهران وواشنطن وباريس واكبت التفاصيل وأقرّت بها واتفقت عليها، قبل أن تتولى قطر الرعاية والاستضافة والإعلان والمساعدة الأكيدة في الإنضاج.

..وهذا ليس كلاماً عن ميشال سليمان، بقدر ما هو كلام عن ميشال عون! الذي لم يغفر على ما يبدو حتى الآن، أن سليمان “اخذ” الرئاسة الاولى قبله ونجح أكثر منه! أكان فيها أو في قيادة الجيش قبلها! وان المقارنة المؤلمة (بالنسبة إلى عون) تفضي إلى نقيضين غريبين: تجربة ميشال سليمان تشجع على فكرة وصول عسكري إلى رئاسة الجمهورية، لكن تجربة ميشال عون تنسفها من جذورها وأساساتها! والواقع الذي يلمسه ويعيشه ويراه ويسمعه كل من عليها هو أن ميشال عون، رئيس الحكومة العسكرية السابق ورئيس الجمهورية اللاحق، لم يكن ينظر إلى الرئيس سليمان نظرة “خاصة” بالرجل، انما كان ذلك (ولا يزال) جزءاً لا يتجزأ ولا يتحلل من “نظرة” عون إلى كل ميشال سليمان! أو إلى كل من يمكن أن تتجه إليه الأنظار في لحظة ما. والمروحة تمتد مثلما قيل ويقال وسيبقى يقال، لتطال كل شخصية (مارونية أولاً وأساساً) عندها حيثية وطنية أو شعبية أو حزبية أو تاريخية أو اقتصادية أو مالية أو حتى فكرية! ويمكن لها أن تلعب دوراً مميزاً أكان في الموقع الدستوري والسيادي الأول أو في الشأن الوطني العام… وكيف لا يفعل ذلك مسيو عون وهو الذي يصنف نفسه بأنه الافهم والأعلم والأقوى والأحكم والأشطر في السياسة والرئاسة والعسكر والأحزاب والاقتصاد والمال والزراعة والصناعة والتجارة والدستور والفكر والثقافة والفلسفة!! ولذلك ولغيره، ركبت المعادلة عنده على أساس أن أفصل من يحمل “رسالته” أو “رسالاته”، وأجدر من يكمل “المسيرة” ويحمل مشعل النجاة، ليس سوى صهره زوج ابنته جبران باسيل ولا احد سواه!

..تحية إلى صاحب الضمير، الآدمي والمحترم الرئيس العماد ميشال سليمان.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً