الكيمياء المفقودة بين نواب التغيير والمعارضة… تثبّت سلطة “النبيه”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كل ما كان يدور في كواليس السلطة منذ سنوات، يؤكد أن لبنان ذاهب إلى ما نراه اليوم من عجائب وغرائب وإنهيارات على كل الصعد، فالتمثيلية التي حصلت في مجلس النواب بإعلان رئيسه نبيه بري فوز النواب: جميل السيد، عبد الكريم كبارة، فيصل الصايغ، آغوب بقرادونيان، جورج عطاالله، عماد الحوت وطوني فرنجية بالتزكية لعضوية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، توحي بكل وقاحة بأن أهل سلطة التحاصص الطائفي “دافنين الشيخ زنكي سوا”، أما المعارضة فهي غير قادرة على التأثير ولعب دورها في العملية الديموقراطية وفي تحريك عجلاتها أقله للحفاظ على ماء الوجه.

ما جرى كان فضيحة بكل معنى الكلمة، وبحسب ما قال الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي لــ “لبنان الكبير”: “تبين بالشهادة الحية أن مجلس النواب برئاسة الرئيس نبيه بري قرر الهروب من مسؤوليته أو على الأقل مسؤولية بعض أفراده الذين قرروا اعادة انتخابهم لحمايتهم وفي تقديرهم أن هذه الحماية يؤمنها تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بالصورة التي تحصل”.

ونوه بـ “المجموعات النيابية والنواب الأفراد والمستقلين والأحزاب السيادية الذين رفضوا المشاركة في هذه العملية المكشوفة والمفضوحة للتهرب من المسؤولية العظمى في انفجار العصر، تفجير مرفأ بيروت”، معتبراً أن “هذه الفضيحة التشريعية هي برسم الرأي العام اللبناني أولاً الذي انتفض منذ سنتين لجلاء الحقيقة ودعم المحقق العدلي للوصول اليها بعيداً من هذا الهروب الموصوف الذي مارسه مجلس النواب”.

وبرأي الزغبي أن “من المنتظر أن يتحرك ذوو الشهداء بصورة حاسمة أكثر للتصدي لهذه التهريبة التشريعية في مجلس النواب وإعادة الحق الى المجلس العدلي والمحقق العدلي وتسهيل عمله من جديد كي يبلغ مرحلة كشف الحقيقة في القرار الاتهامي أو القرار الظني الذي لا بد من أن يصدره في الأسابيع المقبلة”.

اما الناشط السياسي سمير سكاف فرأى أن لجنة محاكمة الرؤساء “لا طعم لها ولم نرها تحاكم أحداً، الا أنه كان لا بد من تسجيل حالة اعتراض عليها، وعدم قبول تمرير ما قيل إنه حصل بالتزكية، وقد حدثت اشكالات وشتائم، ولكن في هذا البلد من يحاكم من؟ تخيلوا أن هناك ثلاثة وزراء صدرت بحقهم مذكرات توقيف صار اثنان منهم اليوم نواباً وأعضاء في لجنة الادارة والعدل!”.

وفي كل الأحوال، أعرب سكاف عن اعتقاده أنه “مهما كانت نتيجة ما جرى والطريقة التي تم من خلالها تمرير هذه اللجنة، وعلى الرغم من ضرورة تسجيل المواقف من هذا الموضوع بالشكل لكن فعلياً وفي الحقيقة لم يكن ممكناً فعل أي شيء في ظل هذه الطبقة السياسية الموجودة”. وقال: “لنكن واقعيين فنواب التغيير الــ 13 لا يمكن أن يغيّروا، كنا نعمل على إيصال كتلة كبيرة من 30 أو 40 نائباً الى المجلس من الثورة حتى يمكن القول إننا ربحنا في الانتخابات ونستطيع أن نغيّر، ولكن للأسف حصل تشتت في الأصوات واللوائح واعتبر البعض أن وصول 13 نائباً مكسب مهم ولكن هذا غير صحيح، وفي الحقيقة أن نواب التغيير الـ 13 ليسوا واحداً، بل صاروا 13 واحداً، وهذه هي المشكلة الأساسية وليست هناك هيئة تنسيق بينهم، ماذا سنفعل؟ هذا هو الموجود”.

مصادر مقربة من نواب التغيير فسرت ما جرى بأنه “من طبيعة العمل البرلماني في الانتخابات”، عازية كون لجنة الادارة والعدل من فريق واحد من 8 آذار، الى “التحالفات وفريق الأكثرية، فغالبية اللجان سيطر عليها هذا الفريق، ومن مهام اللجان التشريع وسن القوانين ودراستها قانونياً وفقاً للدستور”.

وأشارت إلى “غياب التنسيق بين نواب التغيير وقد وقعوا فيه منذ جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه، وهي مشكلة تتكرر أيضاً مع نواب المعارضة الذين لا يرون أهمية التنسيق مع نواب التغيير وكأن مشكلة المعارضة أنها لا تراهم ولا تريد التنسيق معهم لأنها لا تعترف بمعارضتهم ولأنهم منتخبون من الشارع وهذه مشكلة موجودة، تضاف الى مشكلة الكتلة التغييرية بسبب عدم الخبرة وعدم وجود مستشارين قانونيين وسياسيين وإعلاميين حولها، وكأن الخسة أيضاً كبرت في رأس نوابها، يعني أنهم وصلوا إلى البرلمان وهم يفهمون ما لا يفهمه الآخرون، وهنا مشكلة حقيقية ما بين الكتل المعارضة التي تلتقي حول موضوع السيادة، ولكن يبدو أن الايغو كبيرة حتى عند رؤساء الكتل المعارضة والأعضاء وحتى الجمهور، علماً أنه لا بد من رؤية المصلحة العامة والوطنية، وما الاخفاقات التي تحصل داخل مجلس النواب الا دليلاً على ذلك”.

وشددت المصادر على أن “قوى السلطة الحاكمة استطاعت فرض نفسها على التشريع والتنفيذ والقضاء وهدفها الأساس التعطيل، وهي سلطة مرعية ومحمية من حزب الله الذي يفرض كل القوانين بالغمز الى نوابه أو المقربين منه أو إعلامه أو جمهوره، وبالتالي هذا الغمز كان الأساس في فرض ما يراد أن يفرض، والاتيان بلجنة المحاكمة من لون واحد، ولكن هذا الأمر يفتح باب الصراع بين الذين قبلوا بأن يكونوا في قلب هذه اللجنة والمعارضة التي تنسق مواقفها، وفي النهاية لم يكن بالامكان سوى الاحتكام الى القوانين وتنفيذها. فليس لأحد من نواب التغيير الخبرة المؤسساتية في مؤسسات الدولة، ولا الخبرة النيابية، وهم في الأساس معارضون، كانوا يخرجون الى الشوارع يهتفون بالتغيير وبالصدفة وصلوا الى المجلس، وهذا كلام ليس من الغيب، ولكن المشكلة ليست هنا، بل المشكلة الأساسية هي في العلاقات بالكتل التي لها علاقة بالعمل المؤسساتي، وقد جنت على نفسها براقش كما يقال لأن عدم التنسيق يوصل الى الخلاف الذي سيعلو صوته في الشارع وفي الاعلام. فاللجنة تم انتخابها بالتصويت العلني وفازت بالتزكية أو غير التزكية، والكتلتان اللتان تعتبران نفسيهما في خندق واحد لم تتفاهما وتظهرا دورهما المعارض من خلال العمل البرلماني. وبالتالي ليس الهدف أن نملك كتلة كبيرة في البرلمان، بل أن يكون لهذه الكتلة حلفاء من الكتل الأخرى لضمان سير الأمور نحو الوصول الى ما تريده، عبر التنسيق في المواقف والآراء والعمل المشترك، والا فان الانتصارات تبقى وهمية والكوارث تقع، ولعل الدرس يجب أن يكون واضحاً منذ الآن فربما يجري تلافي الأخطاء في مواجهة الاستحقاق المقبل وهو رئاسة الجمهورية”.

شارك المقال