الفراغ يولّد “النقار” حول التدويل 

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يكاد الأخذ والرد حول فكرة التدويل لا ينتهيان في لبنان، فهو كان دائماً محاولة للهروب إلى الأمام عندما تتباعد مواقف القوى السياسية أو تشتعل حرب داخلية أم خارجية، أو تترك المؤسسات الدستورية للفراغ الذي يولد “النقار” بين قوى الحكم، حتى يمكن القول انه ما التقى موال ومعارض الا وكان التدويل ثالثهما، كل بحكم علاقاته الخارجية وإرتباطاته بمشاريع خارج حدود الوطن.

منذ إعلان لبنان الكبير كان موضوع التدويل سائداً في الخطاب السياسي اللبناني وحاضراً في الممارسة، والاستنجاد بالخارج تحت عنوان إنقاذ لبنان يتكرر، لا سيما عندما تشتد الأزمات ويتحول البلد على يد أبنائه إلى ساحة صراع دولي وموقع ابتزاز، كما يجري اليوم مع اشتداد الصراع الأميركي – الايراني حول النووي، وهو أسلوب اتبع خلال الخمسينيات والسبعينيات واستمر خلال الحرب الاهلية وما بعدها، وكان للبطريركية المارونية طروحات لتدويل الأزمة اللبنانية تحت عنوان الحماية والرعاية وحفظ المصالح والنفوذ.

وقف “حزب الله” ضد التدويل على الرغم من ارتباطاته بايران وكونه جزءاً من جسم الحرس الثوري الايراني، ويتلقى دعماً مالياً من الخارج، عندما طالب به البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي العام الماضي، وكان رده أن مشكلات لبنان الداخلية يمكن حلها بين اللبنانيين ولا تتطلب أي تدخل خارجي، علماً أنه يخلط سموات مقاومته بقبوات حروب المنطقة ويصدر مقاتليه الى الخارج، ليلعب لعبة التدخلات الأجنبية في شؤون بلدان عربية ويقود حروباً فيها بحسب التكليف الشرعي.

بعد الانتخابات النيابية، كثير من المراقبين توقع أن يقوم السياديون باطلاق حملة معارضة للتدخلات الايرانية والوقوف ضد هيمنة “حزب الله” على السلطة في لبنان الا أن ذلك لم يحصل، لحسابات تتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية لعل وعسى ينفذ طامح من هنا أو هناك الى كرسي بعبدا، وعليه لم يجرؤوا على طرح ملف التدويل ونزع سلاح الميليشيات وتطبيق القرارات الدولية لإجبار “حزب الله” على “ضبضبة” نفسه.

ومع تعثر تشكيل الحكومة والوصول الى موعد انتخابات رئاسة الجمهورية وفقاً لسيناريو الفراغ المتوقع، يرى البعض أن التدويل قد يحل المشكلة، لاسيما في الأوساط التي فقدت الأمل في تغيير الواقع واستشراس القوى الحاكمة في توحدها لأكل الأخضر واليابس وترك اللبنانيين فريسة الجوع والمرض والفوضى الأمنية.

لكن التدويل يحتاج الى ظروف مناسبة وله شروطه، بحسب مصادر متابعة “وهذه الظروف غير متوافرة حالياً في الوضع اللبناني، ولا بد من السير فيه بحسب القوانين الدولية وهو يتم عادة بناء على تكليف من مجلس الأمن أو من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حال حدوث حرب أهلية طاحنة أو في حال فراغ دستوري قائم وانهيار اقتصادي وحالة انتفاضات شعبية تؤدي الى انهيار الحكومة والمؤسسات عندها يجري تكليف المجتمع الدولي بوضع اليد على البلد وقيادته كما حصل في بلدان عدة سابقاً”.

وترى المصادر أن “الوضع في لبنان حتى الآن لا تتوافر فيه شروط التدويل، على الرغم من الصورة الظاهرة التي توحي بامكان حصول ذلك. لا تزال أمامنا ثلاثة أشهر على موعد انتخابات رئيس جديد للجمهورية، ويمكن أن تحصل حلول وهناك حكومة تصرّف الأعمال وليست هناك انتفاضات شعبية على الأرض تتسبب بفوضى وخضة وخوف كما حدث في سيريلانكا مثلاً، يعني لا وجود لحالة تجعل امكان التدخل الدولي مسألة لا بد منها، ولكن اذا حصلت حالة حرب وتم تغييب دور الدولة والمؤسسات وسط رفض الناس لهذه الحرب فعلى المجتمع الدولي أن يتقدم ضمن مهمة انسانية ووفقاً للقوانين الانسانية الدولية”.

وتلفت الى أن “دعوات البطريرك الراعي الى التدويل من دون معرفة أي نوع منه ستعتمده الأمم المتحدة قد يسلم لبنان الى دول اقليمية تدير وضعنا كما حصل في اتفاق الطائف وجرى تسليم أمورنا الى النظام السوري. والتدويل الدولي الاقليمي يؤمن الرعاية كما حصل في الرعاية الأوروبية – الأميركية ونتج عنها اتفاق الدوحة. وهناك تدويل ثالث قد يكون بالانفتاح على منظمات المجتمع المدني من خلال الجاليات والمؤسسات التي تؤثر على قرار لبنان وتجبره هذه الدول على اتخاذ قرارات في مجتمعاتها كما حصل مع أوكرانيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك ورواندا، ولكن في لبنان لا يمكن الحديث عن توافر شروط التدويل”.

وبرأي مصادر أخرى أن “بوابة التدويل هي في مطالبة المجتمع الدولي بتطبيق القرار 1559 تحت الفصل السابع، بتشريع من مجلس النواب وهنا لا بد للكتل السيادية والتغييرية من الدفع في هذا الاتجاه إن توحدت رؤيتها حول سبل التخلص من هيمنة ايران وحزب الله على القرارات والمؤسسات، والتوافق على توحيد الرؤية والعمل لانجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتمكين الدولة اللبنانية من تحرير ذاتها من ايران وتطبيق القرارات الدولية، وعدم الدخول في صفقات مع محور الممانعة الذي يجعل من لبنان اليوم رهينة النووي الايراني وتدمير اقتصاد لبنان لتعويم الأسد والعودة الى نظام الوصاية”.

شارك المقال